مقالات

البيت المغلق بلا حراسة: الاحتلال الهاشمي لليمن وسرقة السيادة

كتب: فتحي أبو النصر

وحده البيت المغلق بلا حراسة يجد من يسرقه”، مقولة تختصر مأساة اليمن الطويلة مع الاحتلال الهاشمي، الذي شكل فصلا قاتما في تاريخ هذا البلد العريق.

فحين تغيب الحراسة الحقيقية، ويتآكل الوعي الشعبي وتضعف مؤسسات الدولة، يجد المتسللون إلى السلطة مناخا مثاليا للتمدد، متدثرين بالدين تارة، وبالنسب الشريف تارة أخرى، حتى يستحيل الوطن رهينة بين أيدي طامعين لا يرون فيه سوى غنيمة.

دخل الهاشميون آل علي بن ابي طالب رضي الله عنه إلى اليمن في القرن الثالث الهجري قادمين من الحجاز، واستوطنوا صعدة وما جاورها، تحت شعارات دينية تدعو للإمامة ونصرة “الآل”. غير أن البعد السياسي لم يكن غائبا عنهم لحظة واحدة.

فقد عملوا جاهدين على تكريس فكرة “الحق الإلهي” في الحكم، وفق مبدأ لا يعترف بالمساواة بين اليمنيين، بل يجعل الحكم حكرا على البطنين (الحسن والحسين).
على إن هذه الفكرة مثلت اختراقا مباشرا لهوية اليمن الجامعة التي عرفها الناس قبل الإسلام وبعده.

والشاهد أن الاحتلال الهاشمي لم يكن احتلالا عسكريا صرفا، بل كان مشروعا فكريا وعقائديا مستمرا، يتسلل عبر المدارس والمفاهيم، ويعيد تشكيل الوعي العام بما يخدم مصالحه.
بل كانت الإمامة الزيدية أحد أوجه هذا الاحتلال، إذ حولت الصراع السياسي إلى صراع ديني، ما أدى إلى مئات السنين من الاحتراب والانقسام، عطلت الدولة، وزرعت الشقاق، وجرت اليمن إلى عزلة قاتلة.

وفي العصر الحديث، عاد المشروع ذاته في ثوب جديد عبر جماعة ال…..حوث.ي، التي مثلت امتدادا صريحا للفكر الهاشمي الإمامي، وارتدت عباءة الثورة والمقاومة بينما كانت تسرق الدولة وتنهب مقدرات الشعب باسم “الولاية”.

ومن المثير للسخرية أن الشعارات التي رفعتها الحركة كانت تروج للعداء لإسرائيل وأمريكا، بينما كانت تسلم البلاد لإيران على طبق من ذهب، وتعبث بالسيادة اليمنية بلا رادع.

لكن السؤال الجوهري يظل: كيف استطاع هذا المشروع أن يخترق اليمن مجددا؟ الجواب يكمن في غياب الحراسة، في الانقسام السياسي، في التراخي الفكري، وفي ضعف النخب التي تواطأت أو صمتت.
و لقد أُغلق البيت اليمني بالتجاهل، لا بالحراسة، فدخله من كان يظن نفسه “سيدا” على أهله.

اليوم، يعود الوعي شيئا فشيئا، وتستفيق الأجيال الجديدة على حقيقة الخطر الهاشمي.
إذ لم يعد التاريخ مجالا للزينة، بل ميدانا للاستفهام والمراجعة والمواجهة. فالمعركة لم تكن يوما بين طائفة وأخرى، بل بين من يريد دولة لكل اليمنيين، ومن يرى اليمن أرضا خاصة بـ”السلالة”.

ولقد آن الأوان لفتح أبواب البيت، لا ليُسرق، بل ليُحصن، بوعي، وعدالة، وكرامة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى