
لم يكن أئمة الزيدية حكاما عابرين في لحظات اضطراب، بل نتاجا مباشرا لنظرية حكم تقوم على الوصول إلى السلطة بأي وسيلة. فمن يحيى بن الحسين، مرورا بالناصر الأطروش والقاسم العياني وعبدالله بن حمزة وأحمد بن سليمان، وصولا إلى بيت حميد الدين وانتهاءً بعبدالملك الحوثي، أعلن الجميع أنفسهم أئمة بالمنطق ذاته، وخاضوا حروبهم باعتبار الإمامة حقا دينيا مزعوما، لا نظاما سياسيا قابلا للحياة.
حاربوا اليمنيين، أو حارب بعضهم بعضا، وفق آليات واحدة: الدعوة، والخروج، وادعاء الأحقية، وتكفير المخالف، والحكم في البطنين، واعتبار المجتمع مادة للفرز والاختبار، في تطبيق حرفي لنظرية إقصائية عنصرية كما وردت في كتبها وممارسات أئمتها.
والنتيجة تكررت بلا استثناء: فوضى، صراع، عجز عن بناء دولة، وخراب أصاب الإنسان والعمران.
لم تُنتج الإمامة الزيدية مؤسسات ولا حكما مستقرا، بل دويلات قصيرة العمر أكلها الصراع السلالي والتنافس على سلطة مغلّفة بالقداسة، وكان القاسم المشترك فيها جميعا، جرائم يندى لها الجبين ودمار أصاب الأرض والإنسان.
ومن هنا، فالمشكلة لا تختزل في سلالة تمارس الحكم باسم الدين، بل في النظرية الزيدية نفسها التي صاغها الكاهن الرسي لتؤسس لحكم بامتياز ديني مزعوم وحوّلت الصراع إلى طريق مشروع للسلطة.
والحوثي اليوم ليس انحرافا عن تاريخ تلك الإمامة الزيدية، بل أحدث تجلياتها القبيحة”



