
استحدث الحوثيون مراكز جمركية جديدة في منافذ تمُر عَبْرَها سلع قادمة من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية لزيادة حجم الجبايات التي تذهب إلى خزائن الحوثيين.
في ٢٨ مايو/ أيار ٢٠١٦، قام محمد علي الحوثي بتعيين يحيى محمد عبد الله الأسطى وكيلًا لمصلحة الجمارك في صنعاء، ليشرف «على تنفيذ آليات غير قانونية وتحصيل الرسوم الجمركية لصالح كيانات وأفراد يعملون بالإنابة عن عبد الملك الحوثي وتحت سيطرته» (كما جاء في تقرير فريق الخبراء المعني باليمن 2018م، الفقرة 131، ص45).
مركز جمركي في حرف سفيان (محافظة عمران)، ومركز في الجوف، ومركز عفار ومركز رداع (محافظة البيضاء)، ومركز جبل راس (محافظة الحديدة)، ومركز ميتم ومركز الحزم (محافظة إب)، ومركز الراهدة ومركز سقم ومركز رأس الرجم (محافظة تعز) ومركز عمران ومركز رقابة ذمار، ومركز ملعب الثورة ومركز 22 مايو ومركز الشعب الجمركي ومركز جمرك شوابة (صنعاء) ومركز جمارك ورقابة محافظة حجة، وغيرها من المراكز والنقاط الجمركية التي تهدف إلى مضاعفة الإيرادات الجمركية «وفرض رسوم جمركية إضافية على السلع المستوردة والقادمة من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية».
وقد أوضح تقرير أممي بأنَّ «الحوثيين يُحصِّلون بشكل غير قانوني تعريفات ورسومًا جمركية إضافية من التجار في مراكزهم الجمركية البرية. وقد تبيَّن أنَّ نشاط توريد الوقود إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين مربحة للغاية بالنسبة للكثيرين، ويدفع المستهلكون النهائيون الثمن».
لافتًا إلى أنَّ الحوثيين حصلوا على «إيرادات رسمية من واردات الوقود (أي رسوم الجمارك وغيرها من الضرائب عبر ميناء الحديدة) فاقت 70 بليون ريـال يمني» خلال ستة أشهر فقط.
كغيرها من إجراءات الحوثيين الاقتصادية، أدَّت سياسة الرفع التدريجي لرسوم الجمارك في ميناء الحديدة واستحداث مراكز جمركية جديدة على مداخل مناطق سيطرة الحوثيين، إلى ارتفاع أسعار كُلِّ السلع والبضائع سواء الضرورية (مثل الأغذية والدواء والمستلزمات الطبية) أو السلع الكمالية وأدوات البناء، وهذا ما يقصده التقرير الأممي بقوله «ويدفع المستهلكون النهائيون الثمن» من وراء إجراءات الحوثيين، وهي إجراءات جعلت بعض التجار يتوقفون عن استيراد بعض السلع الضرورية، ودفعت البعض الآخر إلى نقل رؤوس أموالهم إلى خارج اليمن ومزاولة أعمالهم التجارية في الخارج ما انعكس سلبيًّا على المشهد الاقتصادي في البلاد رغم تحذيرات رجال الأعمال من استمرار تطبيق هذه الإجراءات.
وقد شكا تجار صنعاء كثيرًا من هذه الإجراءات التي وصفها البعض بالقاتلة والتي مهدت الطريق أمام موجة غلاء فاحش فتك بالمواطنين لا سِيَّما الأسر متوسطة الدخل، رافق ذلك هبوط قيمة العُملة المحلية لمستويات قياسية في بلد يعيش سكانه غالبا على السلع المستوردة. وقد عَلَّق التاجر يحيى الأسطى على هذه الإجراءات بقوله: «البضاعة تخرج من المخازن (داخل البلد)، وتنقلها إلى محلاتك في الحديدة أو ذمار.. كلهم يشتوا (يريدون) جمارك. ما ذنب التاجر؟! من أين؟ كُلُّ واحد يشتي جمارك. والمتهبِّشين (النهّابين)، الذين لا علاقة لهُم لا بالجمارك ولا بالدولة، وهُم ناس سرق (لصوص)».
كذلك رجل الأعمال ونائب رئيس الغرفة التجارية في العاصمة صنعاء محمد صلاح، والذي ناشد الحوثيين بإيقاف هذه الإجراءات لخطورتها على اقتصاد البلاد والمواطن اليمني، قائلًا: «نقول اتقو الله، راجعوا حساباتكم، لا تظلموا التجار، سيتسبب في شُحِّ كُلِّ المواد، سيتوقفون عن الاستيراد أو يغادرون البلاد. لا يوجد بلد في العالم يسعى إلى تطفيش (تهجير) أو تدمير رأس المال الوطني، إلَّا في هذه الأيام، من قِبَل مصلحة الجمارك».
وفي محاولة فاشلة لإثناء الحوثيين عن هذه القرارات الاقتصادية المُدمَرَّة، أصدرت الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة صنعاء بيانًا قالت فيه بأنَّ ما تقوم به مصلحة الجمارك «ما هو إلَّا ابتزاز وجباية مرفوضة شرعًا وقانونًا، خاصة في ظل هذه الظروف التي تمُر بها بلادنا، وما يتكبده التجار من مشقة ومخاطر لتوفير السلع الضرورية واحتياجات المواطنين، وفي ظل انعدام شِبْه كامل لمتطلبات الأمن والسلامة في أغلب المناطق الحيوية بالجمهورية، فبدلًا من أن تقوم الدولة بمواساة أعضاء القطاع التجاري والصناعي وتشجيعهم على الاستمرار، إذا بمصلحة الجمارك تجازي صمود التجار وصبرهم بإجراءات جنونية وجبايات كبيرة وغير شرعية في كُلِّ مدينة وكل نقطة، ولا تراعي في إجراءاتها الهستيرية أبسط المتطلبات الدستورية والقانونية، بحجة رفد خزينة الدولة بالأموال ولو كان ذلك بوسيلة غير مشروعة (…) إنَّنا نناشد رئيس وأعضاء المجلس السياسي الأعلى، ورئيس مجلس الوزراء (الحوثي) ونعول عليهم إيقاف جنون وعبث مصلحة الجمارك، العواقب ستكون وخيمة على المجتمع بأكمله».
وعلى المستوى الرسمي، حذرت الحكومة اليمنية من استحداث منافذ جمركية جديدة في مداخل العاصمة صنعاء والبيضاء، ذمار، عمران، وعدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتهم.
لافتة إلى أنَّ «إقدام مليشيا الحوثي الانقلابية على إجبار آلاف القاطرات والشاحنات وجميع وسائل النقل التجارية والإغاثية على إعادة كافة الإجراءات الجمركية عليها مَرَّة أخرى، من فحص ومعاينة وتثمين، وإلزامها بدفع رسوم جديدة بنسبة 100 بالمائة يساهم بشكل كبير في مضاعفة أعباء التجار والأهالي في تلك المحافظات، وأنَّ مثل هذه النقاط والمنافذ غير القانونية ستعمل على زيادة تردِّي الوضع الإنساني في تلك المحافظات. والوضع الإنساني لا يحتمل مزيدًا من المضايقات والتعسفات بحق المواطنين».
وبالرغم من مرور سنوات منذ إقرار هذا الاجراء، إلَّا أنَّ رفض التجار لهذه الإجراءات مستمر لا سِيَّما والمنافذ الجمركية ترفع رسوم الجمارك كُلَّ عام. وقد نشب نزاع بين التجار وسائقي الشاحنات التي تنقل البضائع عبر المدن اليمنية بالموظفين في منافذ الجمارك الحوثية لأكثر من مَرَّة، ونتج عنها مقتل واحتجاز عدد من السائقين على يد الحوثيين.
مطلع فبراير/ شباط 2021م، أضرب سائقو شاحنات نقل الإسمنت إلى مناطق سيطرة الحوثيين عن العمل بشكل تام، احتجاجًا على فرض رسوم جمركية إضافية على الإسمنت الذي ينتج محليًّا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية بما يسهم في رفع أسعار الإسمنت في السوق المحلية.
لقد تجاوزت جبايات الحوثيين الجمركية البضائع المستوردة من الخارج، ليتم فرض جمارك على السلع والمنتجات الزراعية المحلية التي يتم نقلها بين المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي نفسها، وهذا يجعل التجار يضيفون هذه الرسوم على إجمالي تكاليف إنتاج ونقل السلع والثمار، لينتهي الأمر برفع الأسعار على المواطنين.
وعلى نفس المنوال، فرضوا الجمارك على أثاث أو هدايا خاصة بالمواطنين وليست سلعا تجارية. فكثير من الأسر التي كانت تنتقل للعيش من محافظة إلى أخرى كانت تُجبَر على دفع رسوم مقابل السماح بمرور الشاحنة التي تنقل الأثاث.
وبحسب بيانات نشرها الحوثيون في مواقعهم الرسمية، فإنَّ هذه المراكز وفَّرت للجماعة إيرادات تُقدَّر بمليارات الريالات خلال أشهر قليلة. على سبيل المثال لا الحصر، تجاوزت الإيرادات الجمركية المتحصلة من بعض المستوردين 79 مليار ريـال يمني للأعوام 2016م -2017م والفترة يناير/ كانون الثاني- يونيو/ حزيران 2018م.
كما بلغت إيرادات ترسيم المركبات والآليات بجمرك رقابة صنعاء فقط خلال أقل من عام أربعة مليارات و710 مليون و 415 ألف ريـال يمني، أما الإيرادات التي حققتها بعض المراكز الجمركية الأخرى خلال الفترة 1يناير/ كانون الثاني حتى 30 يونيو/ حزيران 2017م، فقد بلغت خمسة مليارات و122 مليون ريال( )، وبناءً على هذه الأرقام التي تعكس حجم الأموال التي تَحَصَّلها الحوثيون من إيرادات الجمارك خلال أشهر قليلة، يمكن تقدير حجم الأموال التي تَحَصَّلوا عليها خلال سنوات الحرب دون أن يفوا بالتزاماتهم تجاه اليمنيين أو تسليم مرتبات الموظفين الحكوميين كأقل تقدير، لكنَّهُم استخدموها في العمليات القتالية وإثراء قياداتها”.


