اليمن والسعودية: علاقة مصير مشترك لا تقاطعات سياسية
بقلم د.محمد يحيى الدباء - مدير وحدة الدراسات السياسية لدى مركز البحر الأحمر للدراسات

منذ وقت مبكر، وأنا على قناعة تامة إن اليمن، بحكم الجغرافيا والتاريخ والهوية، لا يمكن أن يستقيم خارج المدار السعودي.
هذه قناعة راسخة في صلب استراتيجية الأمن القومي السعودي، ولا يمكن بناء يمن مستقر ومؤثر من دون هذا الامتداد الطبيعي. كل محاولة للذهاب بعيدا عن الرياض ليست سوى عبث سياسي، لا يورثنا إلا الخسارة والعزلة والانهيار.
عشر سنوات من الحرب والخراب والدمار كانت كفيلة بأن ندرك أين يجب أن نكون . فموقعنا وتاريخنا وثقافتنا ومصالحنا تفرض علينا ان نكون مع السعودية، لا ضدا لها.. الرياض وحدها من سوف تخرجنا من الحفرة التي سقطنا فيها.
إن وجودنا داخل المدار السعودي سوف يحد من التدخلات الخارجية في الشأن اليمني، ويعزز من امن اليمن القومي، ويساهم في حل مشاكل اليمن المزمنة، ولسوف تتضح لكم اهمية ذلك مع الأيام، فالسعودية واليمن شجرتان لا تصلحان الا معا،وإن أمن اليمن هو امتداد للأمن القومي السعودي، ولن تترك الرياض جوارها الجغرافي حتى يعود الى مداره المناسب.
إحدى الاشكاليات بالنسبة لنا نحن اليمنيين،إن المليشيات القادمة من خارج الدولة “مليشيا الحوثي”، انقلبت على الدولة وتبنت اجندات خارجية أدت الى زعزعة واستقرار الإقليم، وهو ما أثار حفيظة السعودية كحماية لأمنها القومي، وتعتقد المليشيات الحوثية، أن التحالف مع أجندات الخصومة الإقليمية “ايران” ضدا للسعودية،سوف يمنحهم وزنا سياسيا.
وكما هو ملاحظ كانت النتيجة عزلة متراكمة، وخراب يلتهم ما تبقى من مؤسسات الدولة، وواقع يزداد بؤسا، وفقر وجوع وانهيار شامل.
اليوم، ونحن نشاهد جماعات في سوريا، كانت بالأمس رموزا للتطرف والتكفير، تعود إلى الحضن السعودي مدركة أن لا جدوى من المكابرة أمام من يملكون مفاتيح الاستقرار والتأثير. نتساءل، أين نحن من هذا الوعي السياسي؟، نحن أبناء الجغرافيا الملاصقة، ما زلنا غارقين في ضياع مرير لا يفسره البعد، بل يختصره فشل النخب وتفاهة من يدعون القيادة.
وللأسف، ومن ناحية أخرى، من يديرون اليمن اليوم لا يملكون من أدوات الدولة شيئا. لا رؤية، لا وعي، لا شعور بالمسؤولية.
ما زلنا نغرق في ضياع مرير. ليس بسبب المسافة، بل لأن من يتصدرون المشهد لا يملكون من القيادة إلا قبح الطموح، وانعدام الشعور الوطني. كائنات فقدت قيمتها، تعيش على فتات الولاءات، وتوزع اليمن على موائد لا تعترف به ولا تحترمه، كقيمة أو كهوية.
نعم، لقد خسرنا البوصلة، لأننا سمحنا لعقليات الارتزاق أن تهيمن، ولثقافة الغنيمة أن تفتك بفكرة الدولة. وسنظل في هذا التيه المدمر ، ما لم نعد إلى نقطة التوازن، إلى الرياض، حيث تصاغ السياسات وتصنع القرارات وتبنى الاستراتيجيات.
المطلوب اليوم أن يكون لدينا رجال دولة يتصدرون المشهد بوعي وعقلية سياسية متزنة ووطنية تقدم مصالح البلد على كل شئ، يعملوا بالتنسيق مع الرياض على اعادة الامن والاستقرار والتعافي الاقتصادي،وبناء جسور اخاء قوية وصادقة مع الرياض. عند هذه النقطة، وفي حالة وجود قيادة محنكة ومسؤولة وعلى قدر عالي من المسؤولية والالتزام، سوف تجدون الرياض الى جانبكم في اليمن.
الرياض ليست مجرد خيار سياسي لليمن، بل قدر جغرافي وضرورة استراتيجية.