مقالات

السعودية.. اللاعب الماهر في شطرنج السياسة!

بقلم : الدكتور عبدالله الجديع - أكاديمي وكاتب سعودي

‏مع تصاعد التوتر الإقليمي مع إيران، استبقت السعودية الأحداث بتحسين العلاقات مع إيران، وخرجت من مربع العداء وهكذا كانت تكلفة الخصومة مع إيران على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ولم تدخل السعودية في أي مواجهة هي في غنى عنها، وكانت السعودية قد اشترطت بناءها لمفاعل نووي لأغراض سلمية وإقامة دولة فلسطينية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فرفضت إسرائيل ذلك وتبجحت، بحجة أنَّ الطاقة النووية السلمية قد تنقلب إلى عسكرية بما يعرض أمنها للخطر، وفي ظل الحرب الحالية في غزة، التي شملت ضربات إسرائيلية واسعة في لبنان، وسوريا، واليمن، كان آخرها قصف في قطر صورت إسرائيل نفسها كشرطي في الشرق الأوسط لا ينطبق عليه القانون.

‏وقد صرح الأمير محمد بن سلمان حينها بضرورة موقف عربي وإسلامي لخطورة التصعيد الإسرائيلي المتطرف، كان التوتر يزيد مع مصر كلما تقدمت إسرائيل في غزة بما يهدد بتهجير الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه لم تحم الولايات المتحدة قطر من قصف إسرائيل لأراضيها، إنما قبلت بتعزيز الاتفاقيات مع قطر، وهنا فجرت السعودية خبرًا بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السِّلاح النووي، وشمل الاتفاق بندًا بأنَّ أي اعتداء على طرف يمثل اعتداء على الآخر، وهو اتفاق يغير موازين القوى الاستراتيجية في المنطقة، ولفهم أي تغيير حدث، يحسن استحضار ما صرَّح به رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز قبل أيام:

‏((لا نملك أسلحة نووية ولا حاملات طائرات ولا احتياطات نفطية كبيرة لذلك لا يمكننا بمفردنا إيقاف الهجوم الإسرائيلي في غزة لكن ذلك لا يمنعنا من المحاولة))

‏وهو تصريح أغضب إسرائيل، لكنَّه كشف كيف أنَّ الاحتياطي النفطي إن اجتمع مع السلاح النووي يمكن أن يغير موازين المنطقة، تلك التي حرصت فيها إسرائيل دومًا على انفرادها بالسلاح النووي في الشرق الأوسط، والتسويق لذلك في الغرب على أنها (قوة عاقلة) لكنَّ الحرب الأخيرة تكشف غير ذلك، كان هناك اقتراحات عن تشكيل (ناتو/عربي) وكانت الإشارات تتجه نحو مصر، لما لديها من جيش، لكنَّه جيش لم يدخل معركة منذ مدة طويلة، وفي الوقت نفسه لا يملك السلاح النووي الرادع.

‏أما باكستان فآخر مواجهة بينها وبين الهند كانت لافتة جدًا في 2025 إذ استطاعت أن تقف في وجه الهند واستعملت سلاح الجو المكون من تشكيلة واسعة، ولم تستعمل الطائرات الأمريكية في تلك المواجهة التي أثبتت باكستان فيها كفاءاتها وهي تسقط الطائرات الهندية، ويرجع عدم استعمال السلاح الأمريكي لبنود اتفاقات تمنع من استعمال الطائرات الأمريكية ضد حليف للولايات المتحدة مثل الهند، والنقطة الأخطر أنَّ الولايات المتحدة لا تزال تتحكم بالبرمجة في السلاح الذي تصدره مثل طائرات F16 كما صرح بذلك مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا سابقًا حين قال بأنَّ الطائرات التي اشترتها ماليزيا لم تكن تعمل بكفاءة دون موافقة أمريكية لتحكمهم بالبرمجة، ولذا استعاضت باكستان عن ذلك بأسلحة صينية استثمرت في تطويرها مع الصين، كذلك تطوير أسلحة روسية.

‏الولايات المتحدة تعرف ما معنى اتفاقيات دفاع مشترك مع دولة نووية إذ جربت واحدة من أخطر المناورات السياسية في القرن العشرين في 1962 حين حدث اتفاق سري بين كوبا والاتحاد السوفيتي ونشر السوفييت أسلحة نووية داخل كوبا بما هدد نيويورك، حينها لم ينم الرئيس الأمريكي جون كندي 3 أيام متواصلة، وارتفع تحذير خطر استعمال السلاح النووي إلى المرتبة الثانية، لكنَّ الاتفاق مع كوبا كان سريا ليس رسميًا موقعًا، لذا انتهت أزمة الصواريخ الكوبية بسحب السوفييت سلاحهم، مقابل سحب الولايات المتحدة قواعد للصواريخ في تركيا وهو ما أزعج كاسترو، لكنه ضمن أمن كوبا لعقود بعدها بسبب هذا الاتفاق السري.

‏الجديد أنَّ الاتفاق السعودي الباكستاني معلن، ويعني عدم إمكان التنكر له، وهكذا يجتمع الاحتياطي النفطي والاقتصاد مع القدرات العسكرية النافذة في المنطقة، باكستان رأت ما الذي تفعله إسرائيل في المنطقة، وخشيت أن تتعرض لضربات بعد الضربة الأمريكية لإيران، ولذا فهي بحاجة لهذا الاتفاق، والسعودية فكرت خارج الصندوق ففي وقت كانت التكهنات تتحدث عن اتفاق مع مصر مثلًا فاجأت المراقبين باتفاق مع دولة نووية وهي باكستان، وهكذا تثبت السعودية كل مرة أنَّها لاعب شطرنج ماهر على رقعة السياسة الإقليمية والدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى