تحليلات

ضربة صنعاء.. اختراق يهزّ الحوثيين ويكشف هشاشة الصراع الداخلي في معادلات الإقليم

الكاتب | توفيق الحميدي

استهدف الجيش الإسرائيلي يوم الخميس منزلًا في العاصمة صنعاء كان يتواجد فيه عدد من القيادات البارزة لجماعة الحوثي، وأُعلن في وقت متأخر عن مقتل رئيس وزراء الجماعة وعدد من الوزراء. وتأتي هذه العملية في وقت كانت فيه الجماعة قد كثّفت جهودها لإنشاء أجهزة أمنية متخصصة لحمايتها من الاختراقات، غير أن الضربة الأخيرة كشفت أن هذه الجدران ليست محصّنة بالقدر الذي كانت تروّج له. لم يكن الحدث مجرد ضربة ميدانية منفصلة، بل إشارة إلى اختراق استخباري عميق وصل إلى صميم دوائر القرار الحوثية، حيث يوحي التوقيت والمكان بدقة لافتة في المعلومات التي وصلت للجانب الإسرائيلي، ما يعكس وجود اختراق بشري أو إلكتروني أو مزيجًا منهما.

من المرجح أن يتأرجح الخطاب الإعلامي للجماعة بين الإنكار والتشكيك أولًا، ثم تثبيت رواية “الاستشهاد” والقدرة على الاستمرار ثانيًا. وبالموازاة، سيجري تشديد القبضة الأمنية داخليًا عبر موجات من التحقيقات والاعتقالات وإعادة هيكلة لأجهزة الحماية، وتقليص الظهور العلني للوزراء والقادة، مع نقل الاجتماعات إلى مواقع بديلة أكثر سرية. كما يُتوقع أن تسارع الجماعة إلى ملء أي فراغ في مواقع القرار عبر تعيين بدائل لإظهار التماسك المؤسسي وتقليل أثر الضربة على إدارة الحياة اليومية في صنعاء، غير أن ذلك لن يمنع بروز هواجس داخلية حول مدى عمق الاختراق واحتمال وجود عيون مزروعة في قلب الدائرة الضيقة.

السيناريو الأكثر ترجيحًا هو التصعيد المحسوب في البحر الأحمر وباب المندب عبر تكثيف الهجمات على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل، وإعلان مناطق ملاحية جديدة كمناطق خطر. هذا المسار يمنح الحوثيين فرصة للرد دون المخاطرة المباشرة بمواجهة عسكرية مفتوحة. كما يظل احتمال المحاولات الرمزية لضرب العمق الإسرائيلي حاضرًا من خلال إطلاق دفعات من المسيّرات أو الصواريخ باتجاه إيلات والنقب، حتى وإن جرى اعتراضها، فإن الرسالة السياسية ستكون واضحة: الرد حاضر. وفي المقابل، من شبه المؤكد أن تعزز الجماعة إجراءاتها الأمنية الداخلية إلى أقصى حد عبر ملاحقة أي خيوط اختراق، وإعادة تنظيم منظومة الحماية، وربما تنفيذ عمليات “تطهير” داخل أجهزة الأمن والاتصالات.

في بُعد آخر، قد تسعى الجماعة إلى الحفاظ على مسار التهدئة مع السعودية في ملف الحدود والملف الإنساني، مقابل تصعيد منفصل مع إسرائيل وحلفائها في البحر الأحمر، لتُظهر وكأنها تتحكم بمساراتها المختلفة وتبقي باب التفاوض الإقليمي مفتوحًا. وهنا تكمن مفارقة كبرى؛ فبينما تخوض الجماعة خطابًا متشددًا ضد إسرائيل، فإنها تحاول الحفاظ على خطوط تواصل مرنة مع الرياض خشية فتح جبهتين في آن واحد.

إن المؤشر الأهم في الضربة ليس في عدد الضحايا ولا في حجم الدمار، بل في الاهتزاز النفسي والتنظيمي الذي أصاب الجماعة. فقد أظهرت العملية أن الأمن الكامل الذي كانت تروّج له مجرد وهم، وأن الاختراق قادر على الوصول حتى إلى أكثر الاجتماعات سرية. هذا الارتباك سيترك أثره العميق على طبيعة عمل القيادة الحوثية، وسيدفعها إلى تقليص اجتماعاتها وتغيير أنماط حركتها. أما خارجيًا، فسيُترجم في زيادة الهجمات البحرية والجوية لإثبات الوجود، وربما في توثيق أكبر للعلاقة مع إيران ضمن محور “المقاومة”.

في الداخل، سيكون لهذه الضربة انعكاس مباشر على المجتمع في صنعاء الذي يعيش تحت قبضة الجماعة منذ سنوات. فالمجتمع قد يتلقى الحدث بقدر من الصدمة، إذ لطالما رُوّج أن العاصمة محصّنة وأن القيادة تعيش في مأمن. هذا الشعور بالهشاشة قد يُترجم إلى مزيد من الخوف والقلق، وربما يفتح بابًا للتساؤلات الخافتة حول جدوى استمرار الحرب وعن حقيقة ما يجري خلف جدران السلطة المغلقة. وفي المقابل، ستعمل الجماعة على تعبئة أنصارها بخطاب “الثأر والمظلومية”، محاولة تحويل الضربة من فضيحة اختراق إلى مناسبة تعبئة شعبية.

أما في المناطق الأخرى مثل تعز وعدن ومأرب، فإن الصدى يتوزع وفق الانقسام القائم. في تعز قد يُنظر إلى ما حدث كدليل على أن الحوثيين ليسوا عصيّين على الاستهداف وأن جبروتهم الأمني قابل للاختراق، الأمر الذي يغذّي معنويات مجتمع يعيش حرب استنزاف طويلة. في عدن قد ينظر إليه البعض كصراع إقليمي بعيد، بينما يعتبره آخرون إشارة إلى هشاشة خصم سياسي عسكري. وفي مأرب قد يُستقبل الخبر بشيء من الشماتة، لكن مع قلق من احتمال أن تدفع الجماعة إلى تصعيد جديد لتعويض خسارتها الرمزية.

خلاصة المشهد أن الضربة في صنعاء لم تهز العاصمة وحدها، بل أحدثت ارتدادات في مختلف الجغرافيا اليمنية. كل منطقة قرأتها من زاويتها الخاصة، لكن القاسم المشترك بينها جميعًا هو إدراك متنامٍ بأن الحرب في اليمن لم تعد شأنًا داخليًا محضًا، بل أصبحت جزءًا من صراع إقليمي واسع. وبقدر ما تهز هذه العملية ثقة الحوثيين في بنيتهم الأمنية، فإنها تعمق أيضًا قناعة اليمنيين بأن مستقبلهم مرتهن بمعادلات أكبر من حدودهم، وأن أي خلل في مركز القوة داخل صنعاء ستكون له ارتدادات شاملة على الداخل والإقليم معًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى