إعادة تطبيع العلاقات السعودية الأيرانية “إنتصار دبلوماسي سعودي في معادلة الربح والخسارة”
العلاقات السعودية الأيرانية تشهد حالة قطيعة سياسية لعقود مضت، فمنذ عام 1978 تبنى النظام السياسي في إيران مبدأ تصدير الثورة إلى الدول العربية والإسلامية ، والتوسع في المجال العربي خصوصاً والإسلامي عموماً ، انعكس سلباً على الأمن القومي العربي، وأدى إلى زعزعة أمن وإستقرار المنطقة وخلق حالة فوضى ، عملت من خلالها إيران على دعم المليشيات الشيعية الإرهابية في الدول العربية.
الإتفاق الأخير برعاية صينية يأتي في سياق المتغيرات الإقليمية، وطبيعة التحالفات الدولية، بالإضافة إلى جملة من العوامل الداخلية في البلدين.
كان للعامل الخارجي دور كبير في التوصل الى هذا الاتفاق، فالضغوطات الدولية على البلدين تعتبر أحد العوامل الرئيسية للموافقة على هكذا إتفاق يعيد تطبيع العلاقات الثنائية.
وبالنظر إلى طبيعة الصراع بين الدولتين فإنه يتخذ أشكال متعددة ، عقائدي سياسي عسكري ، حيث يعتبر صراع متعدد الأوجه ، وهي العقيدة التي يؤمن بها النظام الإيراني ، القائم على عقيدة تصدير الثورة والتوسع في المنطقة ، والذي يفرض حتمية المواجهة معه وديمومة الصراع.
السعودية دولة إقليمية كبيرة ، ومؤثرة في السياسات الإقليمية والدولية ، و الإتفاق لا يعني التخلي عن إستراتيجية المواجهة مع المشروع الإيراني القائم على تصدير الثورة وزعزعة الأمن والإستقرار في المنطقة، بل سيعمل كل طرف على المحافظة على أدواته ، و الإبتعاد عن المواجهة المباشرة ، في حال لم يتم تنفيذ بنود الاتفاقية.
تفاءل الجميع خيراً بالاتفاقية على أمل أن تشكل فرصة لمنح إيران مساحة للعب دور بناء، من خلال التفاهم مع أدواتها الميليشاوية ، بهدف خلق هدوء في المنطقة بشكل عام واليمن بشكل خاص.
الإتفاقية جيدة وخطوة مهمة في طريق خفض التوتر في المنطقة ، لكن تظل الإشكالية الكبرى ليست في الإتفاقية ، وأنما بمدى إحترام و إلتزام ايران بتعهداتها المعلنة.
على المستوى الدولي ، فإن نجاح الدبلوماسية الصينية في منطقة تعتبر ضمن نظرية الاحتواء الأمريكية قد يزعج أمريكا، لكن وبالنظر إلى حجم وطبيعة الضغوط الدولية على السعودية، وإيران فقد يكون هناك تفاهمات مسبقة حول الرعاية الصينية لهذا الإتفاق ، كطرف محايد يحظى باحترام الدولتين.
على المستوى اليمني ، هناك انعكاسات ايجابية من إعادة تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية والتي يمكن قراءتها كالتالي:
1- التقارب السعودي الإيراني من شأنه أن يؤدي إلى توقف إيران عن دعم مليشيات الحوثي الإرهابية ، ومن ثم وقف الحرب، وهذا يعتمد على جدية النظام الإيراني ومدى تعاونه.
2- اليمن في إستراتيجية الأمن القومي السعودي يحظى بأهمية كبيرة ، ومصلحة حيوية أهم من المصالحة مع نظام إيراني يرعى الإرهاب ويعمل على نشر الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، ولدية عقيدة ثورية تهدف إلى السيطرة على الحرمين الشريفين.
3- اليمن تمثل عمق استراتيجي للأمن القومي السعودي ، بإعتبار أمن اليمن جزء من أمن السعودية ، وتنظر السعودية إلى الحوثي كأداة من أدوات إيران وخنجر مسموم في خاصرتها، فهي لن تسمح للحوثي السيطرة على الحكم مهما كانت التكلفة.
4- قد تتنازل إيراني عن حلفائها في المنطقة وبشكل خاص في اليمن، وفقاً لمبدأ المقايضة، في مقابل الظفر في أماكن أخرى تدين بالولاء لها.
5- الإتفاقية سوف تعري الحوثي وتكشف القناع عن وجهه القبيح ، حيث يجب عليه أن يتخلى عن كل الشعارات التي يطلقها ويخادع بها العامة والعالم، وسيكون أما استحقاقات داخلية لا مناص منها ،تحتم عليه القيام بها، وهو ما سيجعله مكشوفاً أمام الداخل والخارج.
6- إذا استغلت الحكومة الشرعية هذه الإتفاقية ، فسوف تكون لها أفضلية مقارنة بالحوثي ، حيث سوف يعطيها الإتفاق مساحة كافية للتحرك داخلياً وإقليمياً ودولياً.
أخيراً ، تمثل الإتفاقية خطوة مهمة في طريق خفض التوتر في المنطقة ، وهو ما يمثل إنتصار للدبلوماسية السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ، الأمر الذي يضع إيران على المحك ، وفي إختبار عن مدى مصداقيتها وجديتها في خفض التوتر في المنطقة، من خلال تحمل مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي والمحلي ، وكذلك مدى التزامها وحرصها على إستقرار المنطقة ونزع فتيل التوتر.
كما أن الإتفاقية تضع النظام الإيراني أمام استحقاقات داخلية مهمة ، من خلال التركيز على الشأن الداخلي ، حيث تتصاعد كل يوم وتيرة السخط والغضب وحالة النقمة في الشارع الإيراني ضد النظام السياسي الحاكم في إيران.