اخبار
أخر الأخبار

“أوروبا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الحروب المحتملة”

الكاتب والباحث الاستراتيجي حسين الصادر – نائب رئيس مركز البحر الاحمر للدراسات السياسية والأمنية.

لقد كشفت ازمة الطاقة الحالية والحرب الروسية الأوكرانية هشاشة دولة الرفاه الأوروبية التي ساعدت ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية على وجودها وأستمرارها كنموذج ليبرالي في غرب أوروبا وهذا يوكد بان دول اوروبا ستكون الأكثر تضررا.

لقد شعر الأوربيون منذ وقت مبكر ان النموذج الليبرالي في أوروبا يعتمد بشكل كلي على الولايات المتحدة، ومن هنا حاولت أوروبا الحد من هذا الأعتماد بتأسيس السوق الأوربية فيما يتعلق بالوضع الأقتصادي، ومن جهة أخرى بناء سياسات امنية من خلال مشروع الأمن والتعاون الأوربي الذي يضم روسيا لكن هذا التصور لم ينجح واعادت الحرب الروسية الأوكرانية الى الأذهان وضع الحرب الباردة بالنسبة للمسرح الأوروبي الى ماقبل انهيار جدار برلين، وهو يعني منطق عسكرة الأمن الأوروبي مرة أخرى.

لم تفلح السياسات الأوروبية على مدى عقود طويلة في تعزيز قدرات الشعوب الأوربية نحو بناء نوع من الأستقلالية.

لقد أستطاعت السياسات الأمريكية تطويق أوروبا وتطويعها كمستهلك أول للحماية الأمريكية وتابع مطيع لواشنطن، وحدت السياسات الأمريكية من نفوذ السياسات الخارجية الأوروبية عبر الهيمنة على الأسواق من جهة ومن جهة اخرى هيمنة واشنطن لعقود طويلة على الطاقة وامتلكت نفوذ قوي في التحكم بعائدات الطاقة، في سوق أوسع عبر اذرع الشركات المعولمة وتوحيد خطوط انتاج متعدد الجنسيات عبر القارات السبع.

اليوم بعد أكثر من سبعين عام من نهاية الرايخ واكثر من ثلاثين عام من هيمنة نظام القطب الواحد بدأ مستقبل القارة العجوز أكثر قتامة وتحيط به الشكوك.

لقد أصبحت دولة الرفاه الأوروبية التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية في مفترق طرق وتمر بمنعطف تاريخي خطير.وكشفت الازمات التي يمر بها العالم الآن ان دول الأتحاد الأوربي دول اعتمادية بشكل كلي سواءً من حيث الحصول على الطاقة الرخيصة او الأحتياج للحماية الأمنية.

وكذلك ازمات فيما يتعلق بالسياسات العامة، وعلى الرغم من ليبرالية ورأسمالية هذه الدول فقد ظلت أوروبا بعيدة الى حد ما عن السياسات الرأسمالية المتطرفة وكانت سياسات الأنفاق الحكومي اقرب الى اليسار منها الى اليمين، الى درجة ان هناك خلط بين اليسار واليمين فيما يتعلق بسياسات الأنفاق العام.

ولعل ذلك يتجلى في رؤية رئيسة وزراء بريطانيا المستقيلة المحافظة ليزا تراس، فهي كانت تعتقد ان النجاح الجماهيري لحزبها يقتضي خفض الضرائب والأستمرار في الأنفاق العام ويرى المحللون في الأقتصاد ان الوضع العام لايحتمل تطبيق هذه السياسات، وادى مثل هذا التفكير الى اضطراب في الأسواق والى وضع محرج للجنيه الاسترليني مما عجل با استقالتها.

الحقيقة أن دولة الرفاه الليبرالية في غرب أوروبا التي استمرت أكثر من سبعة عقود سوف تكون أكثر عرضة لأمتحانات صعبة أكثر من اي وقت مضى في تاريخها الحديث.

ويمكن القول ان القارة العجوز وجدت نفسها بين مطرقة الأزمات الأقتصادية وسندان الحروب المحتملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى