
خسرت إيران هذه الحرب قبل وقت طويل من اندلاعها، وبالتحديد حين قررت تحت شعارات “الصبر الاستراتيجي” ترك حليفيها حركة حماس، وحزب الله، يقاتلان أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط، من دون أن تقدم لأي منهما عونا جدياً، يحول دون البطش بهما، ثم واصلت الظن أو الوهم، حتى بعدما سقط حليفها بشار الأسد، وأُخرجت من سورية، أن في وسعها مساومة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على مشروعها النووي، مثلما كانت تفعل مع أسلافه، وبالتحديد في زمن تبجحها بانتشار أذرعها الضاربة في أربع دول عربية.
لم يمتلك القادة الإيرانيون جرأة الاعتراف، حتى بينهم وبين أنفسهم ربما، بأنهم خسروا أوراقهم الإقليمية التي طالما كانت في صلب حسابات واشنطن لدى كبحها الجموح الإسرائيلي المزمن لضرب إيران، وإذ أعطى ترمب أخيراً الضوء الأخضر لنتنياهو، ووقعت الواقعة، فإن ضحايا دقائقها الأولى، كانوا، للمفارقة، هم أنفسهم الجنرالات الذين طالما توعدوا بإزالة إسرائيل من الوجود في بضعة دقائق، إن تجرأت على مهاجمة بلادهم.
ووحدهم السذج الذين كانوا يصدقون المزاعم عن قوة إيران الهائلة عسكرياً هم الذين فوجئوا باستباحة سلاح الجو الإسرائيلي لأجوائها، ناهيك بانكشافها أمام جواسيس وتكنولوجيا الاستخبارات الإسرائيلية، على نحو أعاد التذكير بموقعة أجهزة البيجر التي حيدت ألوفاً من عناصر حزب الله، وما تلاها من ضربات توجت باغتيال معظم قادته، وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله.
صحيح أن إيران ظهرت بعد ساعات من الهجوم الإسرائيلي كأنها استعادت توازنها، وبدأت بتوجيه ضربات صاروخية موجعة فعلاً لإسرائيل، لكن ذلك بشقيه، ليس سوى صفحة أولى في كتاب الحرب التي قد تطول، وقد تتسع أهداف إشعالها، من تدمير البرنامج النووي الإيراني، إلى إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية.
ثمة في هذا الصدد مؤشرات بالغة الأهمية يأخذ بعضها شكل تساؤلات، ومنها مثلا ذاك المتعلق بمدى قدرة إسرائيل، وإمكانية إقدامها على اغتيال المرشد علي خامنئي ردا على ما قد تعتبره تجاوزاً للخطوط الحمر في بنك أهداف الصواريخ الإيرانية، ومنها أيضاً توجيه نتنياهو خطاباً إلى الشعب الإيراني، حثه فيه على التمرد، قائلا “نحن نمهد الطريق أمامكم لتحقيق حريتكم” بينما كان نجل شاه إيران المخلوع يدعو قوات الأمن في البلاد إلى الانشقاق عن “الدولة التي يحكمها رجال الدين” معتبراً أن “معركتنا هي ضد النظام الإسلامي القاتل الذي يضطهدكم ويفقركم”.
في مقابل هذه العصا الغليظة التي يستخدمها نتنياهو، وتصل حد التلويح بإسقاط النظام، لم يتوقف ترمب عن التلويح بالجزرة الاخيرة؛ بقاء النظام إن تخلى عن برنامجه النووي، وذلك عبر حضه القادة الإيرانيين على القبول بمشروع الاتفاق المعروض عليهم للحفاظ على ما تبقى.
ماذا ستختار إيران؟
حتى الان لا جواب معلنا أو واضحاً سوى العمل على استعادة توازن الردع بإطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل، بينما تسيطر طائرات هذه الأخيرة أو تكاد على الأجواء الإيرانية، ولا يخفي رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو طموحه إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط لتصبح يد الدولة اليهودية هي العليا فيه، وهو يدرك أن أميركا التي أسقطت نظام الرئيس العراقي صدام حسبن قبل 22 سنة من أجل عيون إسرائيل، وبذريعة امتلاك بلاده أسلحة دمار شامل، لن تتورع عن تكرار التجربة مع نظام خامنئي إن لزم الأمر، واحتاجت حكومة اليمين الديني المتطرفة في تل ابيب تدخلاً عسكرياً لمساعدتها.



