صادرة عن وحدة الدراسات السياسية – مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية.
في لحظة سياسية فارقة، شهدت مدينة المخا فعالية جمعت مختلف القوى السياسية اليمنية لإحياء ذكرى استشهاد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، جسدت الفعالية خطوة استراتيجية نحو استعادة الدولة وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات الكبرى التي يمر بها اليمن، مؤكدة هذه الفعالية أن التقارب الوطني هو السبيل الوحيد لانهاء الانقسام اليوم واستعادة الدولة، ورغم مرور سبع سنوات على انتفاضة الـ2 من ديسمبر، يبقى التحدي الأكبر هو استعادة الدولة والجمهورية المختطفة من قبل مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران. وهذا يتطلب تحركات على كافة الأصعدة بين مختلف القوى السياسية، وأبرزها حزب الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام والمجلس الانتقالي والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية وقد جاءت هذه الفعالية في لحظة فارقة وتوقيت حساس، لم تكن مجرد مناسبة للتذكير بتضحيات الماضي، بل كانت بمثابة خطوة استراتيجية وتحول مفصلي في المشهد اليمني الساخن نحو توحيد الصفوف وتوجيه الأنظار نحو مستقبل مشترك ومستقر لليمن.
ويمثل التقارب السياسي بين المكونات السياسية ضرورة لاستعادة الدولة، وهو ما يجب أن تعمل عليه جميع القوى السياسية في الساحة اليمنية، فالواقع السياسي يتطلب تقارب القوى السياسية البارزة في المشهد اليمني وعلى راسها حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي وحزب المؤتمر الشعبي العام والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية، والتلاحم مع المكونات الأخرى دون استثناء، والعمل على تجاوز الخلافات التي خلفتها أحداث 2011 بين أكبر مكونين سياسيين في البلاد، والتي انعكست في المجمل على حاضر ومستقبل اليمن.
ولتكن البداية في توحيد البرامج والخطط والسياسات من أجل استعادة الدولة والجمهورية، بقيادة مجلس القيادة الرئاسي واستعادة الدولة هو الهدف الأسمى الذي يلتقي عليه الجميع، وإذا كانت التحديات التي تواجهها اليمن اليوم سببها انقلاب مليشيات الحوثي الإرهابية وتحالفها مع إيران، فإن فرص النجاح في مواجهة هذه التحديات تتطلب من الأحزاب اليمنية التخلي عن التحفظات السياسية لصالح الوطن، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن، يجب أن يكون هناك تحركات سريعة وفعالة من قبل كل القوى السياسية، وأن تعمل الأحزاب السياسية بما يتماشى مع البراغماتية السياسية، التي تقتضي التركيز على الأهداف الكبرى بعيدًا عن الانغماس في التفاصيل الثانوية، حيث إن من الواضح أن الهدف الآن هو استعادة الدولة وإعادة بناء الجمهورية، وهو هدف يتطلب تنسيقًا سياسيًا وعسكريًا بين مختلف القوى وتحمل المسئولية التاريخية تجاه الوطن.
إن التقارب والتعاون الجاد والمسئول بين القوى الوطنية في الساحة اليمنية هو الطريق الأمثل على الواقعية السياسية ويمثل اشهار التكتل الوطني للأحزاب والقوى السياسية في 5 نوفمبر الماضي في عدن ارضية صلبة للعمل الوطني الواسع وبمشاركة الجميع وان تكون الانطلاقة من اجل استعادة اليمن من مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف الجميع وفقًا لخطة واحدة ومشروع وطني موحد. كما أن عدم التوصل إلى هذا التعاون قد يطيل أمد النزاع، ويضعف من فرص الحلول السلمية أو العسكرية، وقد يؤدي إلى تفكك البلد اكثر وأكثر وتمزيقها.
لقد جاءت كلمة عبدالرزاق الهجري، القائم بأعمال الأمين العام للإصلاح، في الفعالية لتشكل اللبنة الأولى لبناء تفاهم مشترك عابر للحواجز التي تعيق عملية توحيد الصف بين المكونات السياسية، فقد حملت كلمته رسائل قوية ومؤثرة لجميع اليمنيين، حيث أكد فيها على أهمية استعادة الدولة ووحدة الصف الجمهوري. وقد كان الهجري في كلمته بمثابة صوت العقل والضميرالوطني الذي يطمح لتجاوز الخلافات المدمرة والعودة إلى المواقف الوطنية التي تجمع جميع اليمنيين حول هدف واحد، وهو استعادة الدولة وإنهاء الانقسام. في المجمل، كانت الكلمة بمثابة دعوة صادقة لجميع الأطراف السياسية للتحلي بالحكمة والتسامح، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يعمق الفجوة بين اليمنيين.
في السياق ذاته، وكما لاحظنا، فقد شهدت الفعالية حضورًا فاعلًا من مختلف المكونات السياسية اليمنية، مما يعكس حالة من التفاهم والانسجام بين القوى التي كانت تتنازع فيما بينها في فترات سابقة. حضور ممثلين عن أحزاب ومكونات مختلفة في هذا الحدث يعد علامة فارقة، ويظهر رغبة حقيقية في تجاوز الخلافات وتوحيد الجهود من أجل استعادة الدولة وبناء وطن يتسع للجميع.
من هذا المنطلق، فإننا في مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية نرى بأن هذا التقارب يمثل تحولًا مفصليا في المشهد اليمني الصعب، والذي سيكون له انعكاساته الايجابية على مجمل العلاقات بين المكونات السياسية، وسوف يؤدي إلى تذويب كل الخلافات ويعمل على تقوية التلاحم الوطني بشكل كبير، وبالتالي، فإننا أمام مرحلة وطنية جديدة عنوانها الوطن فوق كل الخلافات: “وحدة مصير وواحدية قرار”.
جانب آخر، يجب التنسيق مع المجلس الانتقالي الجنوبي، إذ لا يمكن استعادة الدولة بشكل كامل دون التأكد من وحدة الصف بين الشمال والجنوب. من هنا، يجب التنسيق والترتيب لتبادل الزيارات بين قيادات المجلس الانتقالي وقيادات الأحزاب الأخرى، خصوصًا إلى مأرب، التي تمثل اليوم أحد اهم معاقل الدولة والمقاومة ضد مليشيا الحوثي، مأرب يجب أن تكون مركزًا للتحركات السياسية والعسكرية المشتركة، من خلال زيارات مستمرة بين مختلف قيادات القوى السياسية، ومن الأفضل أن تكون الخطوة التالية لتعزيز التفاهمات هي زيارات رفيعة المستوى لكل القيادات السياسية إلى محافظة مأرب.
وبصورة عامة، من الضروري أن يدرك الجميع أن السياسة ليست ثابتة، بل هي في جوهرها عملية ديناميكية تستجيب للمتغيرات. ففي ظل هذه الديناميكية، قد تتغير التحالفات والمواقف تبعًا للظروف والمتغيرات على الأرض. ومن هنا، فإن السياسة تتطلب أحيانًا تبني مواقف لا تنسجم مع القناعات الشخصية، لكنها تتماشى مع مقتضيات السياسة في تلك اللحظة والمصالح العامة، هذه الحقيقة تفرض نفسها اليوم على جميع الأطراف اليمنية، التي يجب أن تدرك أن استمرار الصراع بين القوى السياسية الكبرى لن يخدم سوى مليشيا الحوثي ومن خلفها إيران وأذرعها في المنطقة، والتعامل مع هذه الوضعية يتطلب من الجميع تجاوز الخلافات والانخراط في مسار مشترك يضمن استعادة الدولة وإعادة بناء المؤسسات.
إجمالًا: فعالية المخا تمثل خطوة مهمة على طريق العودة إلى “البيت الكبير”، كما عبر عنها العديد من المحللين السياسيين والمتحدثين في الفعالية، اليمن هو الوطن الذي يجمع جميع أبنائه مهما اختلفت توجهاتهم السياسية، وهذه الفعالية تعد بمثابة جسر للعودة إلى تلك الوحدة الوطنية التي يطمح إليها الجميع، حيث يلتقي اليمنيون في مدينة المخا على أمل توحيد الصفوف والمضي قدمًا نحو استعادة الدولة، تعزيزًا لذلك، فإن المخا كانت رمزية في تاريخ اليمن المعاصر، وما يميزها اليوم هو أن هذه الفعالية جاءت لتؤكد على أن اليمنيين قادرون على إعادة بناء ما تم تدميره، وأنهم يستطيعون الوقوف معًا في وجه التحديات الكبيرة التي يمر بها الوطن.