اخبار

قمة جدة :  تكامل عربي افريقي لتحقيق الأمن الجماعي ، ومواجهة التحديات التي تهدد أمن البحر الأحمر والخليج العربي.

*بقلم رئيس قسم الدراسات السياسية بالمركز.

د. محمد يحيى الدباء

في ظروف بالغة التعقيد ، وتوقيت حساس، وتزامننا مع المبادرات التي تطلقها المملكة العربية السعودية لتنسيق وتوحيد جهود الدول العربية  في الخليج والدول المشاطئة للبحر الأحمر في مواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة ، والعمل على تعزيز قدراتها الامنية والسياسية والعسكرية  ، وبما يحقق مصالح شعوب المنطقة ، ويعزز من قدراتها على حماية الامن القومي العربي.. وفي مبادرة تهدف الى تعزيز “الامن الجماعي” للدول العربية والافريقية المشاطئة للبحر الاحمر، تنعقد في جده، الخميس 8/9/2022،  قمة قادة دول  مجلس الدول العربية والافريقية المشاطئة للبحر الاحمر وخليج عدن، لوضع الآليات العملية والالتزامات الاستراتيجية تجاه التهديدات الامنية والبيئية التي تهدد الملاحة الدولية وامن البحر الاحمر..

 ويهدف المجلس الذي يتكون من الدول المشاطئة للبحر الاحمر، والذي تأسس في 2020،  الى توسيع التعاون السياسي والاقتصادي وزيادة التنسيق والتشاور بشأن القضايا المتعلقة بتعزيز أمن الملاحة. وحماية التجارة العالمية التي تعبر الممرات المائية والمضائق الحيوية في البحر الأحمر وخليج عدن..

يأتي انعقاد قمة مجلس الدول المشاطئة للبحر الاحمر ، في توقيت حساس، والمنطقة تمر بظروف صعبة . كما انه يأتي استجابة لمتطلبات المرحلة ، كخيار استراتيجي يمهد الطريق لبناء منظومة أمن جماعي مستدام، ونواه لقيام تحالف اكبر واوسع يضم جميع الدول العربية، لحماية الامن القومي العربي..

يحتل الموقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي للبحر الاحمر اهمية  كبيرة في خارطة الصراع الدولية، حيث يقع البحر الاحمر فى قلب قوس عدم الاستقرار الذى حدده البروفسير بريجنسكى مستشار الأمن القومى الأمريكى الاسبق وهو القوس الذى يضم الشرق الأوسط والقرن الأفريقى ومنطقة المحيط الهندى ، كما يقع ضمن الاطار الجيويولتيكى لمنطقة الخليج الاستراتيجية..

ويشكل الصراع فى جنوب البحر الاحمر و باب المندب  مهددات خطيرة للأمن القومي للدول المشاطئة للبحر الاحمر،  باعتباره، عمق استراتيجي لأمنها القومي، سوف ينعكس سلبا على امنها، ويخلق مزيد من الصراعات فيها..

من هذا المنطلق، يناقش القادة في قمة جدة مهددات امن البحر الاحمر والبحر العربي ووضع الآليات العملية والاستراتيجيات لمواجهة المخاطر التي تهدد الامن القومي للدول الاعضاء.، والتي يأتي على رأس اولوياتها مواجهة التمدد الايراني في البحر الاحمر…فمنذ عقد ونصف وايران  تسعى بكل ما اوتيت من قوة وقدرة،  مستخدمة كل امكانياتها الى السيطرة على مضيق باب المندب  وخليج عدن. وتأتي محاولات ايران للسيطرة على مضيق باب المندب من خلال دعمها لمليشيات الحوثي ، بمثابة انذار للدول التي ترتبط سواحلها بمياه البحر الاحمر لتصحو من نومها.. الامر الذي سيكون له تداعيات أكثر خطورة على امن تلك الدول في حال عدم اتخاذ اي موقف لمواجهة التمدد الايراني في المياه الاقليمية العربية وانعكاسات ذلك على الامن القومي العربي..

وتمثل التهديدات الايرانية لأمن البحر الاحمر ، اكبر تحدي للأمن القومي العربي،  ويعتبر الدعم الايراني لمليشيات الحوثي التي تقاتل من اجل السيطرة على مضيق باب المندب وخليج عدن، اكبر مهدد لأمن البحر الاحمر ، وينذر بمزيد  من الصراعات ويهدد الملاحة والتجارة الدولية في البحر الاحمر ..

في السياق ذاته،  تهدف  ايران من السعي للسيطرة على البحر الاحمر والبحر العربي ، لتحقيق اهداف عدة ، والتي منها التواجد في المناطق الحيوية والهامة والتي تمثل حلقة وصل وربط بين الدول .

و قد سعت ايران الى  التغلغل في منطقة القرن الإفريقي ،  واليمن منذ عقود ، وتهيئة مناخ ملائم لتحقيق مصالحها .يتضح ذلك من  خلال الدعم  الايراني لمليشيات الحوثي في اليمن، وهو ما تترجمه الاحداث من  خلال استماتة الحوثيين للسيطرة على مضيق باب المندب وخليج عدن…

من ناحية اخرى ، سوف تناقش القمة ، قضية خزان صافر ، والذي يعتبر مصدر تهديد بيئي كبير في حال تسرب النفط  الى البحر ، والتي تخزن اكثر من مليون برميل نفط،.. وترفض مليشيات الحوثي تفريغها لعدم ادراكها بالعواقب المترتبة فيما لو انفجر الخزان وتسرب النفط الى مياه البحر. وهو ما يتطلب اتخاذ موقف حازم من قبل الامم المتحدة وارغام المليشيات الحوثية على تفريغها.

امام هكذا قضايا شائكة تتطلب حلولا عاجلة ومواقف حازمة من قبل  مجلس قادة الدول المشاطئة للبحر الاحمر وخليج عدن، يتحتم  على قادة الدول في القمة العربية الافريقية في جدة وضع خطط واستراتيجيات مشتركة لتأمين مصالحها بهذه المنطقة وحماية امنها القومي ، والا تكون مغلولة اليد عما يحدث بها والذى له تأثير مباشر على أمنها القومي..

ولتكن البداية في العمل من خلال التنسيق  والجهود المشتركة  على انهاء انقلاب مليشيات الحوثي المدعومة من ايران  وسيطرتها على عاصمة اليمن صنعاء ، وبذلك يتم قطع دابر الشر من جذوره، باعتبار ان بقاء مليشيات الحوثي المدعومة من ايران، تسيطر على اغلب محافظات اليمن والتي منها المحافظات المشاطىة للبحر الأحمر ،هو بمثابة بقاء للقنابل والالغام والموت وتهديد امن البحر الاحمر والبحر العربي، ومصدر تهديد للأمن الاقليمي والخليجي..

واخيرا :نضع امام صانعي القرار في قمة جده العربية الافريقية للدول المشاطئة للبحر الاحمر بعض الملاحظات:

▪ان يدرك القادة  ان الجميع في مركب واحد واي خرق لاي جزء في المركب سيؤدي الى غرق الجميع، ولذا يتعين العمل وفقا لنظرية الامن الجماعي، والتي تتطلب مصداقية ووضوح في الرؤى ، والعمل على تنسيق الجهود المشتركة والتعاون بين دول الاعضاء، بما يحقق مصلحة شعوب المنطقة و امنها القومي..

▪التعاون الامني الوثيق بين الدول الاعضاء في المجلس ، باعتبار ان امن البحر الاحمر والبحر العربي وخليج عدن امن واحد، وما يحدث في اي جزء من المنطقة ينعكس سلبا على امن المنطقة ككل..

▪العمل على بناء “الامن الجماعي” للمنطقة بشكل عام، باعتبار امن الخليج جزء لا يتجزأ من امن البحر الاحمر والبحر العربي،  الامر الذي يتطلب تنسيق مشترك ودعم الجهود المشتركة  لدول الخليج والدول الاعضاء في المجلس لحماية امن البحر الاحمر ومواجهة التهديدات كمنظومة امنية واحدة تتمثل في “الامن الجماعي” لدول الخليج والدول المشاطئة للبحر الاحمر ..

 ▪اتخاذ موقف حازم تجاه قضية خزان صافر،  من خلال الضغط على الامم المتحدة والدول الخمس الدائمة العضوية، لإرغام المليشيات الحوثية، للسماح للأمم المتحدة بتفريغ خزان صافر،وبيع الكمية المخزنة ،  لتفادي كارثة محققة، وايداع المبلغ في البنك المركزي لتسديد رواتب الموظفين الموقفة منذ 2016..

▪ وضع الآليات  الفعالة والاستراتيجيات  والتنسيق بين دول الاعضاء ، يمثل خطوة متقدمة في العمل السياسي المشترك للدول العربية..

 ▪تشكر السعودية على توحيد الجهود والرؤى والسياسيات من خلال تبني هكذا تكتلات اقليمية  تعمل على التقارب بين القادة وتعريفهم بالخطر الجماعي الذي يحدق بالجميع، وتحديد الاستراتيجيات لمواجهته..

 ▪كان لمركز البحر الاحمر للدراسات الامنية والسياسية السبق في اطلاق مبادرة ، بتشكيل هذه المنظمة الاقليمية التي هي اليوم ممثلة في مجلس الدول العربية والافريقية المشاطئة للبحر الاحمر ، وكذلك مبادرة المركز الاخيرة بتشكيل قوات مشتركة ،تشارك فيها كل الدول الاعضاء في المجلس ،تتكفل بحماية امن البحر الاحمر وخليج عدن والبحر العربي، على ان يكون مقرها في اليمن..

▪ندعو الى تشكيل ادارة ازمة على المستوى الوزاري، تتكون من اعضاء ممثلين عن الدول الاعضاء ، تجتمع شهريا ويكون لها مقر دائم ، تناقش الآليات العملية والموجهات التي تنطلق من خلالها المواقف السياسية للدول ، وتحديد الاولويات التي يجب تنفيذها ، ومنحها كامل الصلاحيات ، لتنفيذ نتائج القمة ، واي موقف طارئ تتخذ بشأنه قرارات ملزمة للدول الاعضاء، ووفقا لما تقتضيه مصلحة الامن القومي للدول الاعضاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى