مستقبل السلام في اليمن على ضوء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية
د.محمد يحيى الدباء*
تاتي زيارة الرئيس الامريكي “جو بايدن” الى “الرياض” ، بعد فتور في العلاقات بين البلدين منذ وصول ادارة “بايدن” إلى البيت الأبيض..
وللمره الأولى، تمر العلاقات بين البلدين بأسوأ فترة لها منذ التحالف التاريخي بينهما بعد الحرب العالمية الثانية. تعمدت ادارة “بايدن” تهميش مكانة “السعودية المحورية”، وصولا لابتزازها في حرب اليمن، وتوظيفها لاضعافها..
لكن، حسابات “واشنطن” بشأن التعامل مع “الرياض” تغيرت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتكمن اهمية هذه الزيارة ، في أنها جاءت والمنطقة تشهد ظروف بالغة التعقيد ، فهناك العديد من الملفات الساخنة، تتطلب من إدارة “بايدن” حلحلتها ، والتي تأتي الحرب في اليمن على رأس أولوياتها، وانعكاسات ذلك على امن واستقرار المنطقة بشكل عام…
القرارات الجريئة التي اتخذتها الرياض بعد فترة من التباعد بينها وبين واشنطن، من خلال بناء جسور علاقات متميزة مع عدد من القوى الدولية يسمح لها بتشبيك علاقاتها بما يتناسب مع مصالحها..تلك السياسات ينظر إليها بأعتبارها دهاء سياسي لدى صانع القرار في السعودية، وهو ما جعلها تتصرف من موقع قوة ، وتترك الباب مفتوحا لكل الساعين اليها، في عالم لم يعد محكوما بسياسة القطب الواحد. ولذلك، فهي تتعاطى بإيجابية مع الهرولة الأمريكية تجاهها، لما تمثله من أهمية استراتيجية لا بديل منها حتى اللحظة.. وتبدو “الرياض” مستعدة للتعامل بمرونة مع ادارة “بايدن” لطالما حصلت على تعهدات واضحة وصريحة ، بشأن أمن الخليج في مواجهة إيران..
يأتي ملف الحرب في اليمن ، اهم محاور المحادثات السعودية الامريكية..تأتي اهميتة لارتباطة بأمن واستقرار المملكة والخليج .. ويمثل أولوية استراتيجية لدى “السعودية”، مما يتطلب التزامات واضحة من “واشنطن”، لمواجهة التهديدات الإيرانية لأمن واستقرار المنطقة عن طريق ذراعها العسكري والمتمثل في مليشيات الحوثي الايرانية..
ولقراءة الموقف الامريكي من الحرب في اليمن، فقد اتخذ أشكال عدة ، من المشاركة ضمن التحالف خلال إدارة “ترامب”، إلى التدليل والاستغلال خلال ادارة “بايدن”، وهو ما عزز من فرص الحرب أكثر من فرص السلام .. وقد تعمدت إدارة “بايدن” حذف مليشيات الحوثي الإرهابية من القائمة السوداء في وزارة الخارجية ، مما شجعها وداعميها على اطالة امد الحرب ، وامتداد تأثير ذلك إلى تعريض أمن السعودية للخطر ، من خلال ضرب المنشئات الحيوية فيها .
كل ذلك، يقرأ على انه محاولة للتأثير على قرار الرياض وابتزاز لها،لافشال تدخلها العسكري في اليمن إلى جانب الحكومة الشرعية..
ومع ذلك، تعاملت “واشنطن” مع الحالة اليمنية كورقة ضغط ضد السعودية. بينما كانت إيران عبر ادواتها مليشيات الحوثي الارهابية حاضرة بقوة..
وسبق للرئيس بايدن أن قدم نفسه اثناء الانتخابات الامريكية كمنقذ لليمن، وأن سيعمل على وقف الحرب ، وعين لهذا الغرض مبعوثا أمريكيا خاصا..الا أن هذا لم يتحقق..
ومع ذلك، بدأت اشارات تنطلق من واشنطن بأن هناك تغير في الموقف الامريكي، و فإذا كانت هناك جدية ، وصدق للنوايا، هذه المره في دعم جهود السلام، البداية القيام بممارسة اكبر ضغط على مليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من ايران للانصياع للسلام أولا ..
تستطيع “واشنطن” الضغط على جميع الاطراف، ولديها أوراق ضغط سياسية ، وحتى عسكرية لإرغام مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من ايران، في حالة عدم انصياعها للسلام… كما ان “واشنطن” تستطيع ان تلعب دور مهم في إرساء أسس سلام دائم في اليمن، وبشكل خاص في حال حصلت على تفاهمات مع الرياض..
ولنجاح اي عملية سلام شاملة ودائمة، يتعين ان يتم بناء السلام على اساس المرجعيات الثلاث ، مخرجات الحوار الوطني ، والمبادرة الخليجية ، والقرار الأممي 2216. ومشاركة الحكومة الشرعية ممثلة برئيس مجلس الرئاسة ونوابه والحكومة ، بأعتبارهم الممثل الوحيد والمعبر عن الشرعية اليمنية..
ختاما، عودة العلاقات بين الرياض وواشنطن هي بمثابة نجاح للسياسة الخارجية التي ينتهجا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان،وتعزيز لمكانتة داخليا وخارجيا..كما
ان مستقبل السلام في اليمن سوف يظل مرهون بما سيتم التوافق عليه بين واشنطن والرياض.
* اكاديمي وباحث سياسي – رئيس وحدة الدراسات السياسية لدى مركز البحر الأحمر للدراسات.