تحليلات

المنطقة على صفيح ساخن: إيران تفتح أبواب الجحيم من بوابة مضيق هرمز

بقلم الدكتور نبيل العتوم- أكاديمي وباحث في الشأن الإيراني

تلوّح إيران اليوم بخيار يكاد يكون أقرب إلى إعلان حرب منه إلى مجرد تهديد: إغلاق مضيق هرمز، الشريان الحيوي الذي يمر عبره نحو خُمس نفط العالم. إعلان قائد الجيش الإيراني عن “استكمال التجهيزات” و”الجهوزية التامة” لهذا الخيار الخطير، تزامن مع تقارير استخبارية تؤكد قيام طهران بنقل ألغام بحرية إلى نقاط استراتيجية في محيط المضيق، في خطوة لا تحمل طابع المناورة التقليدية، بل رائحة تصعيد محسوب قد ينفلت من السيطرة.

في عمق القرار الإيراني، تدور نقاشات صاخبة بين أجنحة النظام، حيث تضغط دوائر في الحرس الثوري والجيش باتجاه تنفيذ خطوات ميدانية فعلية، بينها منع عبور السفن الألمانية تحديدًا، في رسالة مزدوجة إلى أوروبا: الرد على الدعم الألماني المتزايد لإسرائيل، والاعتراض على محاولات تفعيل آلية “سناب باك” التي قد تعيد العقوبات الأممية على طهران. الرسالة أبعد من برلين؛ إنها تحذير مبطن للقوى الأوروبية من الانخراط في “المعسكر الإسرائيلي” بصورة علنية.

هذا التوجه الإيراني لا يمكن فصله عن سلسلة الانتكاسات الكبرى التي تتلقاها طهران منذ أسابيع، بدءًا من انهيار نفوذها في سوريا وسقوط حلفائها هناك، مرورًا بضربات إسرائيلية وأميركية دمرت شبكاتها الاستخبارية والعسكرية، وصولًا إلى تفجيرات غامضة تضرب العمق الإيراني، في قلب المنشآت والقيادات، دون أن تملك طهران ردًا واضحًا أو قدرة على وقف هذا النزيف.

في هذا السياق، يبدو التهديد بإغلاق هرمز أداة داخلية وخارجية معًا: داخليًا، محاولة لحشد الجبهة الإيرانية خلف “الخطر الخارجي” وإسكات الأصوات الناقدة في ظل تصدعات النظام؛ وخليجيًا، اختبار لردود أفعال دول الخليج، وتذكير بأن إيران ما تزال قادرة على قلب موازين الطاقة والاقتصاد الإقليمي؛ ودوليًا، ورقة ضغط قاسية تُرفع في وجه واشنطن وأوروبا لإعادة خلط الأوراق في المفاوضات النووية أو كبح الاستهداف الأمني المتصاعد ضدها.

لكن مغامرة بهذا الحجم لا تخلو من حسابات معقدة. إغلاق المضيق لا يعني فقط أزمة اقتصادية عالمية، بل قد يُترجم إلى تحرك عسكري أميركي أو حتى دولي لإعادة فتحه بالقوة، ما يضع إيران في مواجهة مباشرة مع تحالف واسع، وهي في أضعف حالاتها العسكرية منذ عقود.

اللحظة الحالية تمثل مفترق طرق لطهران: إما التراجع خطوة عن حافة الجحيم، أو الاندفاع لفتح بوابة لا أحد يعرف إن كانت ستُغلق مجددًا. فهل ما نراه هو عرض أخير على طاولة التفاوض… أم دقت ساعة الحرب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى