الدكتور لمياء الكندي – اكاديمية وباحثة في الشؤون اليمنية والإقليمية لدى مركز البحر الأحمر للدراسات، تقوم بقراءة سياسية لكتاب ”مجموع الكاهن حميدان” وهو من تأليف: ”ابي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي”:
بين يدينا كتاب من اهم الكتب العقائدية في الكهنوت الزيدي، وتأتي اهمية هذا الكتاب من المكانة العلمية التي حظي بها المؤلف الكاهن ابي عبدالله حميدان بن يحيى القاسمي وقد قال كهنة ال البيت الهاشمي ممن يدعون الإمامة عن هذا الكتاب انه الحق الصحيح والدين الصريح، وأنه معتقد آل الرسول.
ويعتبر الكاهن حميدان من اهم من كتب وافتى حول قداسة آل البيت الهاشمي وافضليتهم واعتبارهم افضل البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يضم مجموع الكاهن حميدان مجموعة من مؤلفات هذا الكاهن التي ركزت على شرح عقائد الزيدية وبيان ما فيها من احكام ورؤى حول العديد من المسائل لإثبات صحتها واظهار مخالفتها للفرق والمذاهب الاخرى بما يعزز من مكانة المذهب الزيدي كونه المذهب الاصح الذي ينبغي ان يُتبع حسب معتقدهم.
واذا كانت غاية الكهنة الزيديين من التأليف هي ترسيخ عقائدهم وآرائهم كحقائق واصول ايمانية مطلقة، فان مهمتنا البحثية اليوم هي كشف ما في المذهب الزيدي من كهنوت وكذب وزيف وخرافة ومخالفة صريحة لما اجمعت عليه الامة، وهي مهمة رسالية نبيلة ندعوا كافة الباحثين والمهتمين الى البحث في الكهنوت الزيدي واعادة قرأته بالنقد والحجة حفاظا على سلامة المعتقد وتجنبا للانزلاق وراء التبعية العمياء تجاه هذا المذهب الكهنوتي وكهنته، وهي مهمه كان قد سبقنا اليها الدكتور عبدالحميد مرشد في كتابه ” الأمام الهادي يحيى بن الحسين وآرؤه العقدية”.
لقد ركز كهنة الزيدية في جميع كتبهم ورسائلهم على خلط السم في العسل بحيث لا يظهر للمتابع لكتبهم ورسائلهم مدى الزيع والخلاف الذي فيها كونها تحاط بمجموعة من الآيات والاحاديث النبوية التي يتم تأويلها او اختراعها لبيان صحة وقدسية قولهم، إضافة الى تكريس العنصرية والسلالية والافضلية لدى المنتمين للبيت العلوي الهاشمي كدين معتبرين موالاتهم والقول بأحقية إمامتهم اصلا من اصول الدين بل انها الاصل الاول فيه.
وبالعودة الى كتاب مجموع الكاهن حميدان نجد ان هذا الكتاب قد ضم اكثر مؤلفاته التي سوف نتطرق الى اهم المسائل الواردة فيها وما اشتملت عليه من عقائد واراء مخالفة كشفا لبواطن الزيف في هذا المعتقد الكهنوتي.
و ضم مجموع الكاهن حميدان كتاب ” حكاية الاقوال العاصمة من الاعتزال”، وهو عبارة عن تلخيص وجمع من كتاب الكاهن عبدالله بن حمزة ويناقش فيه الابتداعات التي ابتدعها اهل الاعتزال من الشيعة، في محاولة لإظهار الفرق بين التشيع والاعتزال وتأتي اهم مسائل الخلاف بين الكهنوت الزيدي والمعتزلة رغم التقارب بينهم الى قول المعتزلة بأحقية تولي الإمامة من غير البيت العلوي الهاشمي، وكان لهذا الموقف اثره في الخصومة بين كهنة الزيدية والفرق المعتزلية القريبة من الفكر الكهنوتي التشيعي.
وركز الفصل الاول من هذا الكتاب على جمع الادلة على امامة علي بن ابي طالب كون التسليم بإمامته وتفسيق من سبقة الى خلافة رسول الله ضامنة الى وصول واستمرارية الامامة في الحسن والحسين وذريتهما من بعده.
والملاحظ فيما يكتبه كهنة الزيدية حول العديد من المسائل اعتمادهم على الاحاديث والروايات المنسوبة الى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون ان يذكروا لتلك الاحاديث راوي او سند، ودون ان يشيروا الى مصدرها في حواشي كتبهم، فكأن قولهم حجة علينا ومقطوع لا يحتمل الكذب وهذا لما اعطوه لأنفسهم من علم لدني يجعل كل قولا لهم موثوق، ومنها قول الكاهن عبدالله بن حمزة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال” من ناصب عليا في الخلافة بعدي فهو كافر، ومن شك في علي فهو كافر” وقوله ” علي خير البشر فمن ابى فقد كفر”، ولنا من خلال هذين الحديثين المنسوبين زورا الى رسول الله ان نقيس عليهما كم الافتراء والتزييف الذي الحقه كهنة الزيدية على رسول الله فكيف يعقل ان تكفر الامة التي اجمع رسولها على صلاحها الذي كان فيه تمام الدين لأنها لم تقول ولم تعمل على تنصيب علي اماما ، اضافة الى ما تضمن عليه الحديثين من تكفير صريح لمن سبق علي بن ابي طالب بالخلافة وهو الموقف الذي اعتمدته الزيدية الجارودية من تأكيد الولاية بالنص وتكفير وتفسيق الشيخين ابي بكر وعمر رضوان الله عليهما.
ويذهب ادعياء الكهنوت الزيدي الى التأكد على افضلية ال البيت الهاشمي ووجوب موالاتهم فإلى جانب تكفير المخالف لهم ورافض القول بإمامتهم نجد لهم العديد من الاحاديث النبوية التي غرر بها ادعياء الكهنوت على عامة الناس ومنها قولهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ويل لأعداء أهل بيتي المستأثرين عليهم، لا ينالوا شفاعتي ولا رأو جنة ربي”، وقوله عليه الصلاة والسلام ” حرمت الجنة على من ابغض اهل بيتي وعلى من حاربهم، وعلى المعين عليهم، أولئك لا خلاق لهم في الاخرة ، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم”، الا تكفي مثل هذه العقيدة الكهنوتية التي تكفر المخالف لها والمتعصبة سلاليا لكهنتها ان تجدد اولوياتنا وطاقاتنا لمحاربة وتجريم هذا الفكر الكهنوتي فلم تعد محاربة من يدعي الإمامة منهم او التذكير بجرائمهم في حق اليمنيين تكفي بل علينا التوجه الى عرض عقائدهم واثارهم الكهنوتية التي شكلتها المنظومة الفكرية للكهنوت الزيدي والتي على اساسها يتم التشريع لقتل اليمنيين وسلب ونهب حقوقهم واستباحة دمائهم واراضهم من منطلق ديني بعيد كل البعد عن ما جاء به ديننا الحنيف.
وفي الفصل الثاني من هذا الكتاب يناقش الكاهن حميدان ” شبهة واعتراضات المخالفين”، حاول من خلالها الكاهن حميدان وعبدالله بن حمزة الرد على شبهات المخالفين لهم حول الامامة، معتمدين في الرد على شبهاتهم على تأويل النص القرآني والنبوي واحتكار تفسير ومخالفة معناه الظاهر لتأكيد احقيتهم في الامامة، اضافة الى شرح اعتراضات المخالفين في ادلة امامة علي.
وفي بيان وجوب اتباع أهل البيت التي يراها كهنة الموروث الزيدي اصل في الدين يذهبون الى تأويل وتفسير موقفهم من موالاة ال البيت صالحهم وطالحهم فيأخذوا بقول الكاهن عبدالله بن حمزة عن سؤال من اين يجوز لكم القول بأنه يجب اتباع اهل البيت وفيهم الظالم لنفسه إما بمعصية ظاهرة، أو بضلال في الدين كما تقولون فيمن خالفكم؟.
فيجيب الكاهن عبدالله بن حمزة ” قلنا جاز ذلك كما جاز إطلاق القول بوجوب اتباع القرآن مع أن فيه المنسوخ والمتشابه، ولأن في الكتاب المحكم والمتشابه والمنسوخ فكذلك فيهم السابق الى الخيرات والظالم لنفسه والمخطئ في التأويل ، فالسابق بالخيرات هو الإمام ومن اقتدى به منهم، وهو بمنزلة المحكم : ويجب الرجوع الى أوامره والإنزجار عن مناهيه، وذلك معنى الإمامة، والظالم لنفسه بمنزلة المنسوخ، وهو المصرح بالمعصية، والمخطئ في التأويل هو الداخل في المذاهب الخارجة عن الحق وهو بمنزلة المتشابة”.
ان المحقق وراء هذا النص وهذا الجواب يجد ان فيه من المفاسد في العقائد والتكفير والتمييز الذي يرجع الى التفضيل ما يستدعي نبذ هذه العنصرية وهذه الخرافة الكسروية الاستعبادية في الكهنوت الزيدي، فكيف يشبه كهنة الزيدية أئمتهم بالآيات المحكمة في القران ويقرنون كل قول وفعل لهم بقوله تعالى وحكمه في كتابه، واعطاء الفسده والظلمة من آل البيت حكم المنسوخ بحيث يقوم الموقف منهم على عدم التعامل معهم كون فعلهم وقولهم منسوب اليهم دون ان يطلقوا عليهم صفات الفسق او التكفير او اظهار فسادهم او عقابهم، كما اعتادوا على فعله من مخالفيهم من غير المنتسبين لآل البيت، كما انهم قد اعتبروا المنتمي من ال البيت الى المذاهب الاخرى مخطئ وحكمه حكم المتشابه فقد حرص كهنة الزيدية الى اعطاء المنتمين الى سلالتهم رغم اختلافهم مقام مخالف لعموم المسلمين تمييزا لهم وتفريقا يقوم على العنصرية السلالية التي هي ظاهر عقيدتهم الجارودية واصلها، ومن ذلك نسبتهم الى رسول الله قوله: ” قال لي جبريل عليه السلام: طفت مشارق الارض ومغاربها فلم أر أهل بيت أفضل من بني هاشم”، وقولهم ” وقوله ” فضل المؤمن من آل البيت يعدل فضل العالم من غيرهم”.
وقد اشتمل كتاب الكاهن حميدان المعنون بـ” تنبيه الغافلين على مغالط المتوهمين”، على خمسة فصول ناقش فيها بعض العقائد الزيدية حول العلم والعقل والنفس وما يتعلق بالذات الالهية من الصفات واصل العالم ومعنى الاسلام والايمان بالله تعالى.
و يعرض مجموع الكاهن حميدان كتاب ” تنبيه أولي الالباب على تنزيه ورثة الكتاب”، ويستعرض فيه الكاهن حميدان ما جاء من اقول الكاهن عبدالله بن حمزة من القول بتنزيه ورثة الكتاب أي ال البيت الهاشمي وبالأخص كهنة الزيدية.
ففي مقدمته يستعرض لنا الكاهن حميدان دواعي كتابة هذا الكتاب فقد كثرت المخالفة على الائمة واستغنى بالاجتهاد عنهم كثير من الامة فاعتبروا ذلك مخالفا لهم وخروجا عن حكمهم فكانت الكتابة ملزمة منهم للإظهار فضل ائمة ال البيت وإبانة حكم الخروج عليهم او عدم الاخذ بآرائهم او الاستغناء عن علومهم، وجميعها اقوال متكررة حول افضلية واحقية ال الكهنوت الزيدي في الحكم والفضل وموقفهم مع المخالف.
ولم تكتف عقائد الكهنوت الزيدية على مسألة الخلاف مع كافة المذاهب الاسلامية وعقائدها في امور التشريع والحكم، ووصل بهم الامر الى انكار ومخالفة اقوال الامة واجماعها على النص الظاهر المتعلق بصفات الله عزوجل واسمائه وتأويل صفاته وافعاله وفق تصور خاص يتنافى مع تصور الالوهية وجلالها التي اخبرنا عنها الله تعالى في محكم آياته.
واترك لكم عبر هذا الرابط قراءة هذا الكتاب التي اتمنى ان تكون قراءة واعية ونقدية، قراءة موجهه وفاضحة للكهنوت الزيدي كي نتسلح بالعقائد الصحيحة وننفي خرافة هذا الكهنوت ونزيلها من الموروث الفكري الذي حاولوا ترسيخه في ذاكرتنا ووعينا وهويتنا اليمنية ودمتم بخير.