تأليف الدكتور: عبدالله محمد الغريب 1-2
د. لمياء الكندي- أكاديمية وباحثة في الشؤون اليمنية والإقليمية لدى مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية .
تعتبر الثورة الإيرانية 1979، من أكثر الثورات السياسية جدلا وأعمقها تأثيرا على الاحداث في المنطقة العربية وخاصة في الخليج العربي ودوله.
شكلت الثورة الدينية المجنحة ببعدها السياسي والايديولوجي في أيران تهديدات جيوسياسية على محيطها العربي، كونها وضعت في عقيدتها مبدأ تصدير الثورة التي استوحت بعض ادبياتها من المنهجية السياسية لما عرف بالحاكمية لدى الأخوان المسلمين في مصر، إضافة إلى الموروث الفقهي للشيعة الاثنا عشرية الجعفرية التي تعرضت للتجديد على يد المرشد الأول للثورة خامنئي وأصبح المذهب الجعفري ليس فقط مذهب الدولة في أيران بل كان دين الدولة الذي يجب نشره وحشد الطاقات الدعمة لهن وانتزاع حقوق المنتمين للمذهب خارج أيران بطرق عدة عبر الدعم والتمكين وصولا لما يمكن ان نسميه استاذية العالم ولكن بمذهبا شيعيا خالص.
تتبع الدكتور عبدالله محمد الغريب في كتابه “وجاء دور المجوس الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية”، ليضعنا أمام الأبعاد الخطيرة لهذه الثورة محاولا كشف ماهيتها التاريخية والعقائدية والسياسية لبناء تصورا مضادا او محورا مضادا لهذه الثورة متى ما تسنى لنا فهم واقعها وأهدافها شارحا كيف انعكس الأثر التاريخي والعقائدي المكون للهويه الفارسية في صياغة مستقبل سياستها في المنطقة، وكيف تم الزحف التاريخي للسياسة الفارسية على الدولة الإسلامية والمجتمعات العربية التي واجهت بدون وعي منها مخاطر زراعة طوائف شيعية فارسية تم تعريبها واعدادها بعناية لتقوم بمهمتها في تغيير الواقع العربي من منطلقات ديمغرافية وسياسية ومذهبية يتم تحضيرها لتلعب دورا مؤثرا لصالح إيران لاحقا، هذا الدور الذي عبر عن نفسه عقب نجاح الثورة الإيرانية التي بدأت في عصر ثمار التسلل التاريخي للفرس في الدولة والمجتمع العربي.
ويبين لنا المؤلف في مقدمته الأسباب التي استدعته لكتابة هذا الكتاب، وهو مالقته هذه الثورة من التفاعل والترحيب لدى معظم الحركات الإسلامية والمنتمين لها، إضافة إلى إبانة الخلل العقائدي في المذهب الشيعي وجنايتهم على أهل السنة، وذلك من أجل كشف الحقيقة وهتك أسرار الباطل وأهله.
يستهل الدكتور عبدالله الغريب في الباب الأول من الكتاب المعنون بـ” نظرات في تاريخ إيران”، إلى الحديث عن ايران قبل الإسلام ما يعني التعريف بالديانات الفارسية قبل الإسلام ( مزدا، الزرادتشية، المانوية، المازدكية)، وتجدر الإشارة أن الحديث عن الديانات الفارسية قبل الإسلام والمذهبية الطائفية بعده كان مهما.
فإيران قديما وحديثا كانت ولا تزال تقدم نفسها على أنها دولة دينية لا يمكن فيها فصل الدين عن السياسية، واكتسب رجال الدين امتيازاتهم الخاصة، فقد كان رجال الدين فيها ولا يزالون هم الموجه الحقيقي لسياسات الدولة وتوجهاتها العسكرية التوسعية من العهد الامبراطوري وحتى عهد الثورة الخمينية وما بعدها، وينوه الكاتب الى ضرورة التفريق بين الفرس والمجوس الذين كادوا للإسلام وتأمروا عليه والفرس الذين دخلوا في دين الله وحسن إسلامهم.
وفي الفصل الثاني من هذا الكتاب يبين لنا الكاتب موقف الفرس من الإسلام ليستعرض لنا مؤامرات الفرس بعد الفتح الإسلامي بداية باغتيال الفاروق عمر بن الخطاب، الى البحث وراء تشيع المجوس لآل البيت، و يرى الكاتب أن ذلك التشيع يأتي ضمن تأثيرات العقائد الفارسية القديمة التي كنت تدعي تجسد الآلهة في السلالات الملوكية التي حكمتهم، ومن هذا المعتقد تم الترويج العقدي بأن آل بيت رسول الله هم ظل الله في الأرض وأن أئمتهم معصومون وتتجلى فيهم الحكمة الإلهية.
ويعرج الكاتب الى ذكر الدويلات الشيعية منذ القرن الثالث الهجري، هذه الدول التي كان قيامها ناتجا عن إنهاك دولة الخلافة الإسلامية، التي استغل المجوس ضعفها، فشجعوا على قيام الدول الشيعية كدولة بني طاهر في خرسان التي كانت اول انقسام عرفته الخلافة الإسلامية في العصر العباسي، ثم قيام القرامطة في الاحساء والبحرين واليمن وعمان وفي أجزاء من بلاد الشام، إضافة الى الدولة البويهية في العراق وفارس وسائر بلدان المشرق، وينسب الى البويهيون سنة 352 قيامهم بإغلاق الأسواق في يوم العاشر من محرم وتعطيل البيع ونصب القباب فيها، وخروج النساء يلطمن وأقيمت النائحات على الحسين، وتكرر ذلك في زمن الديالمة وهذه الحادثة ظهرت لأول مره في تاريخ بغداد وهي من الأمور التي لم تعرفها العرب لا في الجاهلية ولا في الإسلام، غير انها أصبحت عرفا ومناسبة دينية مهمة عند الجعفرية الامامية، ثم ظهر العبيديون في مصر والشام وجميعها دول قامت على الفكر الشيعي واسستها اسر فارسية.
وكان اخطر المشاريع الفارسية في الوطن العربي تاسيسهم للطائفة الدرزية، والنصيرية في بلاد الشام، فمحمد بن نصير مجوسي فارسي من موالي بني نمير، وكان النصيريون سببا في احتلال النصارى لبلاد الشام وسقوط بيت المقدس، كما كانوا عونا للتتار ضد المسلمين واعتمدت عليهم فرنسا عندما احتلت بلاد الشام، اما الطائفة الدرزية فقد أسسها حمزة بن علي الزوزني فارسي مجوسي من مقاطعة زوزن في ايران، ومن اشهر تلامذته حمزة بن محمد بن اسماعيل الدرزي والية تنسب الطائفة الدرزية في سوريا ولبنان وفلسطين، إضافة الى تشكيل طائفة البهائيين، ومؤسس هذه الفرقة ميرزا علي محمد الشيرازي الذي ظهرت دعوته في فارس 1802واصطدمت دعوته مع طموحات الشاه الذي قرر إعدامه، الا ان دعوته استمرت واختار لها بهاء الله ….. لقيادة الطائفة من بعده وبه عرفت بالبهائية وللبهائية سلطان واسع في إيران.
ويناقش الباحث في الباب الثاني من هذا الكتاب “عقائد الشيعة”، تناول فيها عقائدهم بين الماضي والحاضر، واستهلها بالحديث عن لمحات عن الثورة الإيرانية وموقف الإسلاميين منها حيث يعتبر الكاتب ان الثورة الإسلامية في ايران امتدادا لحركة الاخوان المسلمين في البلدان العربية، وحركة المودودي والجماعات الإسلامية في باكستان والهند، والحركة الإسلامية في اندونيسيا وهو ما ستنكره الكاتب وعابهم عليه كون اختلافنا مع الرافضة ليس اختلاف سياسي وحسب بل هو اختلاف في أصول العقيدة والدين كقول الشيعة الجعفرية بالزيادة والنقصان في القران الكريم، وهذا الامر وثقته كتبهم ووثقه علماء الأصول عندهم.
ومن جملة مخالفتهم لعموم المسلمين قولهم انهم مؤمنون بالقرآن لكنهم احتفظوا بحق فهمه وتفسيره وقولهم بخلق القرآن، إضافة الى اختلافنا معهم في الأصل الثاني من أصول الإسلام، (السنة النبوية)، حيث لا يؤمن الشيعة بالأحاديث التي وردت في صحيح البخاري ومسلم، اضافة الى اعتقادهم بعصمة أئمة آل البيت، وبكفر الصحابة رضوان الله عليهم، واعتقادهم بالتقيه، وتعظيمهم للمشاهد والقبور التي يعظمونها، وقولهم بأن الركن الثاني في الإسلام الايمان بالنبوة والامامة أي الايمان باثنا عشر اماما معصوما.
وفي المبحث الثالث من هذا الباب يسرد لنا الكاتب نماذج من اقوال علماء الجرح والتعديل في الرافضة، حيث يقول: ” وكان لسلفنا الصالح من التابعين وأئمة المذاهب وعلماء الجرح والتعديل رضوان الله عليهم جولات مع القادة المؤسسين للمذهب الشيعي، وهذه الجولات اغنت المكتبة الإسلامية بأنفس الكتب واصح الآراء”، واختار منها بعض الآراء كالشافعي وابن تيمية وغيرهم، ويرى الكاتب أن شيعة اليوم اخطر على الإسلام من شيعة الامس ويصف الخميني بأنه زعيم شيعي متعصب لمذهبه حيث اغفل في جميع كتبه وخطاباته موضوع التعاون مع السنة او الاندماج معهم، وذهب الى التأكيد على ضرورة إقامة الحكومة الإسلامية الشيعية.
وكنوعا من أنواع المواجهة الفكرية التي استهدف من خلالها الكاتب محاولة إيقاظ العقل العربي السني المنبهر من شخصية الخميني والمتفاعل مع ثورته الإسلامية وبالأخص من قبل الإسلاميين المتأثرين بالخطاب الديني والدعوي الطامحين الى الحكم والتمكين في بلدانهم ونقل التجربة الإيرانية اليها، وجه الكاتب اليهم مجموعة من الاختلالات العقدية لدى الخميني وذكر موقف الخميني تجاه العديد من المسائل والمواقف كإيضاح مصادر الخميني في التلقي، وموقفه من القرآن، والصحابة، وتصنيفه لأعداء الامة، وموقفه من قضاة المسلمين والنواصب، وعقيدته في التولي والتبري والإمامة واعتباره نائبا عن الإمام المعصوم، وتعطيل الجهاد إضافة الى ما اعتبره الكاتب بشذوذات الخميني الفقهية.
وبهذه المسائل يكون الكاتب قد انتهى من شرح البنى الفكرية والعقدية والتاريخية التي أسهمت ننفي بناء الذات الشيعية وتشكلت من خلالها ثورة ايران الإسلامية لينتقل الكاتب بعدها مباشرة الى الجانب الأهم في نظري من هذا الكتاب وهو مناقشة الثورة الإيرانية في بعدها السياسي لما له من ارتباطات سياسية وايضاحات حول الأبعاد والمخاطر التي شكلتها الثورة الإيرانية على النظام العربي ككل، وهو ما سنتناوله في التتمة الثانية لهذا الموضوع ان شاء الله.
ملاحظة:
قد يشعر القارئ المثقف والمطلع اثناء قراءته لهذا الكتاب انه كتاب غير مهم نظرا لأسلوب الكاتب المبسط في عرض المعلومات، او اعتماده على الأسلوب الخطابي والوعظي الذي جرى عليه مجموعة من الكتاب الدعاة، وكان هذا رأيي في الكتاب أيضا، إلى ان تعمقت في قراءته واستخلصت اهم نقاط العرض وصولا الى الباب الثالث والأخير حيث تنكشف للقارئ سلسلة من المعلومات المهمة حول الدور الإيراني في الخليج العربي والعراق وبلاد الشام وامتدادات هذا الدور الى دول المغرب العربي ونهجمهم في تغيير البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع العربي لصالح ايران، حيث اتبع الكاتب من خلالها عرض ذكي في نقل المعلومة يمكننا من خلالها رصد السياسة الإيرانية منذ مطلع ثورة 1979وحتى الاحداث الأخيرة من عام 2024 وسقوط حزب الله في لبنان ونظام بشار الأسد في سوريا وتكوين صورة حول مسلسل العنف الشيعي وتغلغله في المنطقة.