تحليلات

التداعيات والنتائج المحتملة لطباعة الحوثيين عملة جديدة

تحليل: الدكتور عبدالوهاب العوج

إن طباعة عملة معدنية وورقية من قِبل الميليشيات الانقلابية يضرب في عمق الأزمة الاقتصادية اليمنية، ويمثل خطورة كبيرة على القرار النقدي الأحادي للحوثيين ونتائجه الكارثية على وحدة النظام المالي والسياسي، وتشطير وتقسيم للجمهورية اليمنية، وكارثة على حياة المواطن اليمني، التي باتت اليوم نتيجة مركبة من السياسات المالية العشوائية والانقسام المؤسسي والسياسي بين عدن وصنعاء.

إن هذا الأمر يحتاج إلى تفصيل المسألة ومدى خطورتها النقدية والاقتصادية وكذلك السياسية بخريطة تفصيلية واضحة:

أولًا: الخطورة الاقتصادية لطباعة الحوثيين لعملة جديدة:

الميليشيات الحوثية – رغم عدم الاعتراف بها كسلطة شرعية – بدأت مؤخرًا، كسلطة أمر واقع، بتحركات سرّية لطباعة عملة نقدية جديدة، مختلفة عن تلك التي تطبعها الحكومة الشرعية في عدن.
خطورة هذه الخطوة تتجلى في:

1- تعميق الانقسام النقدي بين الشمال والجنوب

اليمن فعليًا يعيش حالة “نظامين ماليين”:

الريال القديم (ما قبل 2016) في صنعاء.

والريال الجديد (المطبوع بعد 2016) في عدن.

أي طباعة عملة جديدة من قِبل الحوثيين ستُدخل اليمن رسميًا في حالة انفصال نقدي حاد، يصعب التراجع عنه حتى لو تحقق سلام سياسي لاحقًا، ويؤسس لتشطير اليمن بشكل فعلي.

2- انهيار الثقة بالعملة الوطنية بشكل عام

فوجود أكثر من نوع للعملة في التداول يعني أن التجار والمواطنين سيفقدون الثقة كليًا في الريال اليمني، وسيتجهون إلى الدولار أو الريال السعودي كملاذ آمن.
وهذا الأمر يعزز “الدولرة” ويدمر أدوات السياسة النقدية الوطنية.

3- تصاعد التضخم والانهيار المعيشي

إن طباعة عملة غير مغطاة بالنقد الأجنبي أو بالاحتياطي تعني ببساطة زيادة في الكتلة النقدية دون مقابل إنتاجي، وهذا ما حدث ويحدث لكلا العملتين.
والنتيجة: انفجار الأسعار، انهيار القوة الشرائية، ومجاعة زاحفة، وبخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية الأكبر والخاضعة للحوثي.

ثانيًا: هل تراخي وتقاعس الشرعية أغرى الحوثيين؟

الإجابة بصراحة: نعم، وبشكل كبير.

هذا التراخي يتجلى في ما يلي:

1- عدم الكفاءة وانعدام القدرة على اتخاذ خطوات استباقية لوقف الطباعة.

2- انعدام المراقبة للسوق المالية وحركة الكتلة النقدية الوطنية والأجنبية.

3- عدم المعرفة المسبقة بعمليات الطباعة والتجهيز لها بالمستلزمات الطباعية، مما يدل على خلل واضح لدى أجهزة الاستخبارات في الحكومة الشرعية.

4- عدم محاصرة الحوثي اقتصاديًا وتجفيف منابع المال لديه.

لقد فشل البنك المركزي في عدن في إعادة الثقة بالريال الشرعي، وعدم القدرة على ضبط السوق المصرفي والحركة النقدية، والتحكم بالكتلة النقدية كأهم أدوات تنفيذية للبنك المركزي.

إن غياب التنسيق الفعلي مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي وغيرها لتثبيت نظام نقدي موحد، وفرض ضغوط على الجهات المانحة بعدم التعامل نقديًا مع الجماعة الانقلابية، وَلَّد نظامين بنكيين بشكل فعلي ولسنوات طويلة.

إن هذا التراخي وعدم الكفاءة لدى الحكومة اليمنية الشرعية منح الحوثيين فرصة لملء الفراغ، بل وحتى تصدير النموذج المالي الخاص بهم في المحافظات المحاذية.

ثالثًا: ما النتائج المحتملة؟

1- حدوث إفلاس شامل للمواطن البسيط الذي يتقاضى راتبه بريال لا يُعترف به في مناطق أخرى، وازدياد نسب الفقر.

2- شلل في القطاع التجاري بين المناطق المحررة والواقعة تحت سلطة الأمر الواقع، وهي ذات كثافة سكانية كبيرة جدًا، وبسبب الاختلاف النقدي، أحدث شرخًا واضحًا يتفاقم ويزداد أثره بشكل متسارع.

3- استدامة الانقسام السياسي بسبب تعمق الانقسام الاقتصادي.

4- مزيد من هروب رؤوس الأموال وتوقف شامل للعجلة الاقتصادية.

توصية تحليلية:

يجب على الشرعية تنفيذ خطط وإجراءات طارئة، وإدارة أزمة، وعقد اجتماعات عاجلة مع حلفائها في الخليج والدول المانحة لفرض ضغوط مالية مباشرة على أي كيان يشرعن العملات الحوثية المزورة.
ودبلوماسيًا، إدراج هذا السلوك ضمن ملفات الحرب الاقتصادية التي تدعم استمرار الصراع، وهذا ما صرّح به سفراء الاتحاد الأوروبي في لقائهم بمحافظ البنك المركزي أحمد المعبقي في عدن.

ولا بد من القيام بإجراءات اقتصادية حازمة من قِبل السلطة الشرعية المعترف بها دوليًا، كالعودة إلى حزمة الإجراءات التي اتخذتها الشرعية وتراجعت عنها بسبب الضغوط الإقليمية والدولية.

ضرورة إيجاد أدوات سريعة وقوية لتعزيز الثقة بالريال الشرعي ووقف الانهيار المتسارع والكبير في قيمته، وكذلك استخدام أدوات رقمية لضبط السوق (كالمحافظ الإلكترونية المرتبطة بالبنك المركزي في عدن).

حيث إنه حتى الآن لا توجد أرقام دقيقة أو تقديرات موثوقة لحجم الكتلة النقدية الحوثية المطبوعة أو نسب التضخم للمقارنة بين صنعاء وعدن.

في الأخير
إن استمرار الانفصال النقدي يقود اليمن إلى سيناريوهات لا عودة منها، وتقسيم اليمن بشكل عملي، ما لم تتحرك السلطة الشرعية وحلفاؤها بحزم في هذا الملف المحوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى