مقالات

اغتيال خامنئي وإعادة تشكيل النظام: سيناريو الاستخبارات الأخطر لدفع إيران إلى حافة الانهيار السياسي

بقلم | الباحث والأكاديمي الأردني د. نبيل العتوم

تتكشف في الكواليس ملامح سيناريو استخباري واسع النطاق، ربما تقوم بصاغته دوائر القرار في تل أبيب وواشنطن، يقوم على فكرة توجيه ضربة مركّزة وبالغة الحساسية تستهدف رأس الهرم الإيراني علي خامنئي وعددًا من القادة السياسيين والعسكريين، بهدف إحداث فراغ قيادي مفاجئ داخل بنية النظام الإيراني. هذا السيناريو، الذي يتردد ربما حظي بنقاش جدّي في مراكز القرار، لا يهدف إلى إشعال حرب مباشرة أو إطلاق حملة عسكرية واسعة لتدمير المنشآت النووية والصاروخية، بل إلى تحقيق أثر سياسي – استراتيجي يعادل نتائج الحرب من دون كلفتها، وبما يقلل الحاجة للانخراط العسكري الأميركي والإسرائيلي المباشر.

تقوم الفكرة على أن ضرب القيادة العليا سيصيب آلية اتخاذ القرار بالشلل، ويخلق حالة ارتباك داخلي تسمح بتوجيه النظام نحو مسار سياسي جديد تحت الضغط، وهو نموذج يشبه –سيكون وفق التقديرات الاستخباراتية – ما جرى في سوريا بعد إزاحة بشار الأسد وصعود أحمد الشرع، حين انشغل النظام السوري بالصراع الداخلي وترتيب السلطة، ما منح إسرائيل هامشاً واسعاً لتدمير جزء كبير من القدرات العسكرية السورية من دون ردع فعلي. القياس هنا ليس حرفيًا، لكنّه يستند إلى منطق واحد: إرباك النظام من الداخل لفتح المجال أمام تدخلات خارجية محسوبة.

في حالة إيران، ترى إسرائيل أن النظام يعتمد بشكل شبه كامل على شخصية المرشد وشبكة الحرس الثوري، وبالتالي فإن ضرب هذين المركزين معًا – ولو مؤقتًا – قد يخلق فجوة لا يمكن سدّها خلال الساعات والايام وربما الاشهر الأولى، وهي اللحظة التي سوف تستعد فيها أجهزة الاستخبارات لاستغلالها عبر عمليات تأثير وسيطرة على المشهد الإعلامي والميداني، تمهيدًا لفرض مسارات سياسية جديدة. الهدف ليس إسقاط الدولة الإيرانية، بل إضعاف “النظام الثوري” وإجبار طهران على التراجع عن مشاريعها النووية والصاروخية والإقليمية، تحت ضغط خوفها من انهيار شامل.

واشنطن من جانبها تدرك مخاطر هذا السيناريو، ولذلك تبدي موقفًا متذبذبًا: هي لا ترفض فكرة الضغط القصوى، ولا تعارض مبدأ ضرب الحلقات الصلبة في النظام، لكنها تخشى أن يؤدي اغتيال المرشد إلى فوضى أمنية عميقة غير قابلة للضبط. لذلك يميل الموقف الأميركي إلى دعم عمليات “قطع الأطراف” كاغتيال قيادات في الحرس وتدمير منشآت صاروخية، دون الذهاب إلى الضربة التي تقطع رأس النظام بالكامل. أما إسرائيل فتعتبر أن استهداف القيادة هو أقصر الطرق لوقف التقدم النووي والصاروخي من دون الحاجة لحرب شاملة، خاصة في ظل تقديرات استخبارية بأن أي حملة جوية واسعة لن تنجح في تدمير كامل ما تبقى من البرنامج النووي والصاروخي المنتشر تحت الأرض.

الجانب الروسي دخل على خط الأزمة بتحذير طهران من أن النظام “في خطر” بسبب الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي يعاني منها ، ليس بدافع حماية إيران، بل لمنع انهيار حليف استراتيجي قد يفتح الباب أمام صعود نخب براغماتية موالية للغرب أو أقل عداءً له. فموسكو تدرك أن فراغًا في القيادة الإيرانية قد يؤدي إلى إعادة تشكيل السلطة على أسس جديدة تُضعف دور الحرس الثوري وتقلص النفوذ الروسي في المنطقة.

وفي العمق، ربما تراهن بعض الدوائر الاستخبارية على إمكانية صعود نخبة تكنوقراطية – أمنية، ليست بالضرورة “موالية للغرب” بالمعنى المباشر، لكنها ليست جزءًا من العقيدة الثورية التي تقود إيران اليوم. هذا التيار قد يظهر في لحظة اضطراب إذا وجد الحرس الثوري نفسه مضطرًا لقبول تسوية سياسية لإنقاذ الدولة من الانهيار أو لتجنب حرب أهلية أو صدام داخلي بين مراكز القوة.

مع ذلك، تدرك إيران تمامًا أن استهداف المرشد أو القيادة العليا يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام كله، ولذلك رفعت من سقف تهديداتها وأعلنت بوضوح أن أي محاولة كهذه ستقود إلى رد غير محدود. وهذا يعني أن السيناريو الاستخباري – رغم أنه مدروس ومطروح – لا يزال محاطًا بمخاطر انفلات غير محسوبة قد تشعل حربًا إقليمية واسعة وهو احتمتل ضعيف .

لكن تبقى الحقيقة أن تل أبيب وواشنطن تدرسان بجدية هذا النوع من العمليات، ليس كخيار أول، بل كخيار “ضاغط” يمكن تفعيله إذا وصلت المفاوضات والضغوط الاقتصادية والعسكرية إلى طريق مسدود. في منطقة تتغير فيها المعادلات بسرعة، قد تكون ضربة واحدة قادرة على إعادة رسم مستقبل إيران والمنطقة، لكنّها قد تكون أيضاً الشرارة التي لا يمكن التحكم بنيرانها بعد اشتعالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى